ثقافة وفن

“صالونن”، “هايردال” وعرب الاهوار

 

في كتاب “دجلة” الذي يوثق رحلته من جنوب العراق الى حضارة وادي السند ثم الى مصر يكتب عالم الاعراق والحضارات القديمة الرحالة النرويجي ثور هايردال “Thor Heyerdahl” معلقا على صورة التقطت من اعلى الشراع للمركب: “نحن الان في وسط البحر ووفقا للمختصين فان قارب البردي لا يصمد في مياه من هذا النوع لانه يمتص الماء بسهولة ويفسد، لكننا وثقنا بعرب الاهوار اذ قالوا لنا: يتحمل القصب عاما او اكثر في الماء اذا ما تم قطعه في شهر آب وهذا ما فعلناه”.

هكذا يصف هايردال وضع القارب دجلة حينما اصبح وسط المحيط الهندي، هايردال وحينما كان في اطار البحث عن تصاميم القارب، والمقارنة بين القوارب التي تصنع في مصر وقبلها امريكا الجنوبية توقف مع التفاصيل بعض التفاصيل متشابهة وبعضها مختلف، ذهب الى المتحف العراقي بحثا عن نموذج يبني القارب على غراره، وجد نماذج فضية تطلى بالقار، لكن لم يقتنع بان السومريين كانوا يسافرون تلك المسافات الطويلة بقوارب من هذا النوع، ذهب الى الاهوار شاهد بيوت عرب الاهوار استوحى منها التصاميم، لكن في اطار مراجعته للقوارب التي تصنع من القصب والبردي، وجد ان الباحثين في هذا المجال قلائل وكان ابرزهم حينها البروفيسور الفنلندي في الميزوبوتاميا ارماس صالونن “Armas Salonen”. هايردال يذكر في كتاب دجلة ان صالونن يعتقد بان القوارب السومرية هي قوارب انهار وليست قوارب بحار، ويستند في ذلك الى حقيقة ان القصب يتهرأ في المياه بعد مدة قصيرة ولا يستطيع المقاومة، عكس قوارب الحضارات الاخرى التي تصنع من خشب الاشجار.

في مناسبات عديدة من كتاب دجلة ينحاز هايردال الى عرب الاهوار وتجربتهم الممتدة من عمقهم السومري بالمقارنة مع ما شاهده في تجاربه الاخرى بصناعة القوارب وكذلك ايضا بالمقارنة مع قناعات المختصين في علوم الحضارات القديمة. هايردال ذهب الى عرب الاهوار جالسهم، شاهد بيوتهم المبنية من القصب على شكل سفن مقلوبة، تحدث معهم عن قوة القصب، تبادل معهم وجهات النظر حول فكرته الجنونية المتعلقة بصناعة قارب يقوى على الصمود امام امواج البحر العاتية.

كبار السن من ابناء تلك البيئة الخاصة جدا اخبروه نصيحة يصفها هايردال بـ”الصادمة” وذلك حينما قال له شيخ كبير في السن: نحن اذا اردنا ان نحصل على افضل انواع القصب المقاوم، نقطع القصب في شهر آب، ونتركه لاسبوعين او ثلاثة ثم نستخدمه.

هذه النصيحة كانت كلمة السر في صناعة القارب وفي قلب العديد من الموازين المعرفية المتراكمة عن اساليب صناعة القوارب عند السومريين. هذا ما فعه بالضبط ولذلك استطاع القارب اجتياز الرحلة التي امتدت على مدار خمسة اشهر وقطع خلالها “دجلة” حوالي 6800 كيلو مترا. وكان على متنه اضافة الى الرحالة ثور هايردال فريق من المتخصصين في مجالات مختلفة هم: “Norman Baker ” ملاّح امريكي ومختص بتوجيه السفن، “Juri senkevista” رائد فضاء، اعلامي ودكتور من الاتحاد السوفيتي. ثم “Carlo Mauri ” مصور ومندوب مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك الايطالي وهو ايضا طبيب الرحلة. من المانيا الغربية القبطان “Detlef Soitzek”، “Norris Brook ” مدير التصوير وممثل مؤسسة دولية تكفلت بتكاليف الرحلة.  الياباني “Toru Suzuki” المتخصص بالتصوير تحت الماء. الملاح المكسيكي “Gherman Carrasco”. من الدنمارك “Asbjönrn Damhus”، وايضا من النروج الكاتب والطالب “Han Peter böhn”. ثم ايضا المترجم العراقي Rashad Nazir Salim.

 

جمال الخرسان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى