سياسة

المعتدلون يصطفون في جبهة واحدة لمواجهة اليمين المتطرف

 

 

 

بعد سجال طويل حول العديد من الملفات المثيرة للجدل ومنها بالخصوص قضية المعونات المالية للبرتغال صادق البرلمان الفنلندي قبل ايام على التشكيلة الحكومية الجديدة بقيادة وزير المالية ونائب رئيس الوزراء السابق يوركي كاتاينن (39 عاما) عن حزب المؤتمر الوطني. الحكومة الجديدة هي الحكومة رقم 72 في تاريخ فنلندا منذ تشكيل الحكومة الاولى في السابع عشر من تشرين الثاني عام 1917.

في اطار مفاوضات تشكيل الحكومة .. فإن القوى السياسية الفنلندية وضعت في بالها الى حد كبير قضية هايدر التي حصلت في النمسا عام 2000 وكيف نشبت الازمة حينها مع الاتحاد الاوروبي لذلك فضلت تلك القوى اجبار (حزب الفنلنديين الحقيقيين) على خيار المعارضة رغم الفوز الساحق الذي حققه الحزب اليميني المتطرف حيث حصل على 39 مقعدا من اصل 200 مقعد العدد الكلي للمقاعد في البرلمان الفنلندي فيما كان الحزب حصل على خمسة مقاعد في الانتخابات السابقة التي اجريت عام 2007. هذا الاخير له موقف متشنج من سياسات الاتحاد الاوروبي وخصوصا فيما يتعلق بالمعونات المالية اضافة طبعا الى موقفه من المهاجرين بما في ذلك الاقلية السويدية التي يعود وجودها في فنلندا الى زمن بعيد، إذ يطالب الحزب بعدم اعتماد اللغة السويدية كلغة رسمية ثانية في فنلندا، وهذا ما جعل وزير الخارجية السويدي يعبر عن قلقه من صعود اليمين المتطرف في فنلندا.

 

الحكومة ضمت حزبين كبيرين احدهم ( حزب المؤتمر الوطني ) حصل على 44 مقعدا وهو حزب يصنف على انه يمين الوسط، والثاني هو ( الحزب الديمقراطي الاشتراكي ) حصل على 42 مقعدا ويعد اكبر احزاب اليسار في فنلندا اضافة الى اربعة احزاب اخرى صغيرة حزب الخضر ( 10 )، حزب اتحاد اليسار ( 14 ) وهما حزبان يساريان، اضافة الى حزب المسيحيين الفنلنديين ( 6 ) ثم حزب الشعب السويدي المسيحي ( 9 ) بحيث يكون مجموع المقاعد البرلمانية المؤيدة للحكومة حوالي 125 مقعدا وهو شيء من الاغلبية المريحة خوفا من ازعاجات وتحركات المعارضة وعلى رأسهم ( حزب الفنلنديين الحقيقيين ).

برنامج الحكومة يعتمد في مجمله على مجموعة من النقاط الاساسية من اهمها: لا لمزيد من المفاعلات النووية وهذا مطلب حيوي بالنسبة لحزب الخضر المشارك في التشكيلة الوزارية خصوصا بعد شبح الازمة النووية في اليابان. ايضا الاهتمام اكثر مما سبق بقضايا الضمان الاجتماعي والتركيز على الطبقات ذات الدخل المحدود وهو مطلب ملح لمعظم قوى اليسار المشاركة في الحكومة التي عارضت بشدة مبدأ تقليص النفقات في شقه الذي يطال مخصصات الطبقات ذات الدخل المحدود، وبما ان ( حزب المؤتمر الوطني ) حاضر في الحكومة فإن مطالب اليمين المهتم برؤوس الاموال لم تغفل ايضا في الحكومة الجديدة. كما ان مشاركة الحزب السويدي هو رسالة سياسية للداخل والخارج لطمأنة مخاوف الاقلية السويدية في فنلندا.

بالنسبة لحزب الوسط فانه قرر ان يكون معارضا منذ اعلان النتائج الانتخابية، خصوصا بعدما تبيّن للكل ان شعبية الحزب انخفضت كثيرا فقد حصل على 35 مقعدا فيما حصل في الانتخابات السابقة على 51 مقعدا. ولذلك فقد اعلنت رئيسة الحزب ورئيسة الوزراء السابقة (ماري كيفينمي) ان الوسط سيكون ضمن صفوف المعارضة في محاولة من الحزب لإعادة ترتيب الاوراق من الداخل، بعد ان قاد الحكومة لثمان سنوات تولى فيها ثلاثة رؤساء وزراء من الحزب نفسه ادارة الحكومة لكن جميعهم لم يكمل دورة كاملة. البداية كانت في عام 2003 مع رئيسة الوزراء ( أنيلي ياتينماكي ) والتي استقالت بعد ثلاثة اشهر على خلفية ما سمي حينها بفضيحة عراق كيت الشهيرة اذ على خلفية تسريب مستشار رئيسة الجمهورية الفنلندية للشؤون الخارجية (مارتين مانينن) معلومات سرية للسيدة ( أنيلي ياتينماكي ) حول تعاون فنلندي امريكي في اطار الحرب على العراق دون علم رئيسة الجمهورية (تاريا هالونن) على خلفية ذلك فاز حزب الوسط الذي تنتمي اليه (أنيلي ياتينماكي) بنسبة 55% مما اوصلها لمنصب رئاسة الوزراء وهي المرأة الفنلندية الاولى التي تتبوأ هذا المنصب، لكنها لم تستمر طويلا بعدما اجبرت على تقديم استقالتها واعتزال العمل السياسي بسبب افشاء معلومات سرية غير مسموح بإفشائها، فتركت المنصب في شهر حزيران من عام 2003 . بعد ذلك تعرضت للمحاكمة مع المستشار المذكور فحكمت المحكمة بتبرئتها وادين المستشار وحكم عليه بالسجن. عرفت تلك القضية التي هزت فنلندا حينها بفضيحة عراق غيت. اثر ذلك اضطرت ياتينماكي للاستقالة مما أجبر الحزب لتقديمه مرشحا اخر هو (ماتي فانهانن) حيث اكمل ما تبقى من الدورة الاولى وحظي بثقة الاخرين في الدورة الثانية لكنه لم يكملها واضطر للاستقالة قبل عشرة اشهر من موعد الانتخابات على خلفية اتهامات قديمة بالفساد الاداري حصلت عام 1983 عندما اهدته احدى الجمعيات الشبابية بيتا مما عد حينها محاباة من اجل الحصول على مقابل، وهو ما فسح المجال لـ(ماري كيفنيمي) كي تقود الحكومة ابتداءا من 22 حزيران عام 2010 حتى تشكيل حكومة جديدة وهي ثاني امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء في فنلندا.

وبالمجمل العام فان الحكومة الفنلندية بيمينها وبيسارها تمثل خطا معتدلا اجتمع فيه يمين الوسط واطياف اليسار لكي يضعوا حدا للقادم بقوة من الخلف (حزب الفنلنديين الحقيقيين) بقيادة (تيمو سويني) وهذا الاخير يبلغ من العمر 48 عاما، يعتبر بمثابة الاب الروحي للحزب ومؤسسه عام 1995 على انقاض حزب (الريف الفنلندي). انتخب عضوا في انتخابات البرلمان الاوروبي عام 2009 وبعد سنتين استقال عن مهمته في الاتحاد الاوروبي ليتفرغ لانتخابات البرلمان الفنلندي 2011.

 

بما تقدم يتضح بشكل واضح ميل النخبة السياسية الفنلندية الوفاء للتقاليد الديموقراطية وترويض موجات اليمين المتطرف والتي اخذت تبرز مؤخرا في فنلندا وفي عموم اوروبا. هذا ما استطاعت فعله الاحزاب الفنلندية تجاه صعود اليمين المتطرف، ما دفعها لذلك وجعلها تصطف في جبهة واحدة هو انزعاجها من التطرف المضر بسياسة الاعتدال المعروفة في فنلندا على الصعيد الداخلي والخارجي.

جمال الخرسان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى