نوكيا مدينة الصمت البليغ
نعم ان محيطها وخضرتها والبحيرات التي تطوّقها جميلة جدا، نعم انها مدينة هادئة وبعيدة عن الضجيج وهذا ما يتوق له الاوروبيون الى حد كبير، نعم هناك فيها منتجع سياحي رائع وجذاب، ولكن تلك الخصائص التي اشير إليها متوفرة في العديد من المدن الاوروبية والفنلندية وان ما تقدم ذكره ليس كافيا لكي تكون مدينة صغيرة هامشية مثل (نوكيا) واقعة في صلب اهتمام العديد من وسائل الاعلام!
المدينة التي لايتجاوز تعداد سكانها الثلاثين الف نسمة اكتسبت شهرتها بالدرجة الاولى كونها اصبحت ماركة تجارية لإحدى وليداتها من شركات الاتصالات العملاقة (شركة نوكيا) إذ أنّ هذه الاخيرة سجّلت كشركة رسمية في قرية نوكيا عام 1871على يد مؤسسها فريدريك إيدستام كشركة مساهمة وأخذت اسمها من المكان التي سجلت فيه.
نوكيا المدينة ليست بعراقة باريس او بثقل سدني او بقدم لندن او بسمعة برلين الاقتصادية، فأول إشارة تاريخية إلى منطقة (نوكيا ) جاءت في وثيقة تعود الى العام 1505 وليس اكثر من ذلك! كما انها اداريا تعتبر قرية حتى العام 1977 ثم بعد ذلك تحوّلت اداريا الى مدينة.
المدينة الفنلندية الواقعة على ضفاف نهر كوكي ماينيوكي صغيرة جدا، لكنها رغم صغرها فانها تحظى باهمية تجارية من الوزن الثقيل، وفي ذات الوقت فإن لها تاريخ سياسي ملفت للنظر، ولذلك فانها مدينة تتكلم بصمت بليغ جدا ولاتؤمن بالدعاية الى نفسها الا من خلال ما لها من انجازات.
تاريخها السياسي يؤكد بانها كانت مسرحاً لإحدى أكبر معارك (حرب الهراوة) وهي انتفاضة سنة 1596 للفلاحين ضد الإقطاعيين السويديين. تسلح الفلاحون بالهراوات، واتخذوا من قرية نوكيا معقلا لهم، فازوا بعدة اشتباكات ضد فرسان الإقطاعيين، ولكنهم تعرضوا لهزائم بعد ذلك عام 1597. وقتل العديد منهم واعدم زعيمهم يالكو إيلكا، كانت تلك الحرب هي الجولة الاخيرة في سلسلة الصراع القائم آنذاك بين الاقطاعيين السويديين والفلاحيين الفنلنديين، في تلك المنطقة اسدل الستار على مرحلة مثيرة للجدل من تاريخ الشعب الفنلندي.
قائمة مشاهير المدينة غنية ومتنوعة جدا ويخيل لك في لحظة انك مع قرية معطاءة نشطة لاتعرف الجمود رغم ان من يزور مركزها التجاري ويتجول في شوارع المدينة لايلاحظ ذلك على الاطلاق، انها مدينة تعيش في صمت مطبق، ولاتصدر اصوات حتى من قبل العديد من المصانع القديمة الجديدة التي تحتظنها المدينة بما في ذلك مبنى قديم كان في يوم ما يلم شتات شركة نوكيا حينما كانت معنية بالاخشاب والبلاستيك والكابلات الكهربائية قبل ان تتحول الى عالم الاتصالات، اما اليوم فان ذلك المبنى تحوّل بالكامل الى شركة (اطارات نوكيا).
اما كلمة (نوكيا) فهي على الاغلب جمع (Nois) والتي تعني حيوان السمّور، الحيوان المنقرض في فنلندا، وهذا الاخير هو الشعار الرسمي للمدينة. لقد تمخضت نوكيا المدينة فأولدت نوكيا الشركة بكل ما تحمل من تاريخ اقتصادي مثير للاهتمام وحاضر رغم كل ما فعلته به الازمة الاقتصادية الا انّ له من العاملين ما يزيد على حوالي 130 الف عنصر موزّعين على مختلف فروع نوكيا في العديد من بلدان العالم، واصبحت عام 2007 الماركة التجارية الخامسة على مستوى العالم.
في هذه المدينة او القرية وقبل 140 عاما سجلت نوكيا الشركة في نوكيا المدينة وبعد فعل السنين فلم يبق من نوكيا الشركة في نوكيا المدينة الا مباني قديمة تحولت لاغراض اخرى بعدما انتقل المقر الرئيسي لشركة نوكيا الى العاصمة هلسنكي. هكذا كانت نوكيا القرية بيئة مناسبة جدا لولادة العديد من التجارب الاقتصادية التي تستحق المراجعة والاهتمام رغم انها كما هو الحال مع مثيلاتها في اسكندنافيا ارتكزت في بداية نهضتها على صناعة الخشب.
جمال الخرسان