سياسة

ماذا بعد زيارة الرئيس الفنلندي نينستو الى البيت الأبيض..؟

 
بعد الحرب العالمية الثانية والكبوة التي تعرضت لها فنلندا اثر تحالفها مع المانيا ضد الاتحاد السوفيتي تحملت خسائر كبيرة من تعويضات وكذلك اضطرت للتخلي عن بعض أراضيها شمال وجنوب البلاد ناهيك عن صدور قرارات دولية أخرى بحقها مثل منعها من تصنيع الغواصات وما شابه.
بعد ذلك انتهجت فنلندا منذ خمسينات القرن الماضي سياسة مختلفة.. ارادت الحفاظ على هويتها الغربية لكن لا ينبغي لها ان تدخل أي تحالف عسكري دولي.. وقوفها على الحياد بين المعسكرين الغربي والشرقي يضمن لها وضعا مستقرا الى حد كبير حتى وان كانت تتموضع بالمجمل العام في المعسكر الغربي في سقف معين مثل التزامها بتطبيق العقوبات على روسيا مثلا.
تلك السياسة جعلتها محطة مهمة لاتفاقية هلسنكي للسلام عام 1975 حيث استطاعت تلك الاتفاقية تخفيف التوتر بين المعسكرين.
بعد تطورات الأوضاع في أوكرانيا قام الرئيس نينستو يوم الجمعة بزيارة الى واشنطن والتقى الرئيس بايدن.. بيانات الجانبين وما جاء في المؤتمر الصحفي يشير بوضوح الى ان فنلندا ذهبت الى أمريكا بهدف تنسيق التعاون العسكري والسياسي من اجل المساهمة بحفظ استقرار وامن فنلندا بمسار غير مسار الناتو.. التعاون الفنلندي الأمريكي يأتي في ظل تعاون بين أمريكا وبلدان الشمال “فنلندا، السويد، النرويج، ايسلندا والدنمارك”. هذا لا يعني الغاء فكرة الانضمام للناتو حيث اكد الجانبان على ضرورة الحفاظ على مبدا الأبواب المفتوحة تجاه الناتو.. اي عدم الحسم لا باتجاه الانضمام ولا باتجاه عدم الانضمام وترك الأبواب مفتوحة وفقا للتطورات على الأرض.
فنلندا تعرف جيدا انها فقدت ميزة مهمة كانت تتمتع بها وهي كونها قناة تواصل موثوق بها بين المعسكرين.. كان نينستو حتى نهاية العام الماضي يحظى بمكانة ممتازة عند مختلف رؤساء العالم بما في ذلك عند بوتين.. وكان ذلك احد عوامل تفعيل المسارات الدبلوماسية.. فنلندا فقدت تلك الميزة حينما أعلنت شهر كانون الأول 2021 بانها سوف تشتري 60 طائرة F35 من أمريكا. اثر ذلك تغير المزاج الروسي كثيرا مع فنلندا ولم يعد يسمح كثيرا لتقدم المسار الدبلوماسي عبرها وكان يفضل قنوات أخرى مثل فرنسا او حتى بلاروسيا.
ان فنلندا فقدت ميزة مهمة جدا في لحظة استثنائية من التاريخ. ذلك الموقف وما حصل من هجوم روسي على أوكرانيا دفع فنلندا للتفكير بمسار اخر من اجل الحفاظ على امنها. توثيق التعاون العسكري مع أمريكا يساهم بذلك كثيرا وفقا لتاكيد الرئيس نينستو نفسه.
المعطيات تؤكد بان فنلندا سوف تحافظ على شيء من الخصوصية مع روسيا لكنها لم تعد دولة محايدة في التوجه العسكري حتى وان لم تنضم للناتو.. انها عمليا تكثف تعاونها العسكري مع اهم بلدان الناتو. حينما سئل نينستو في المؤتمر الصحفي بعد لقائه مع بايدن عن إمكانية اجراء وساطة مع بوتين أجاب بنبرة يأس: في هذا المسار لم يعد بالإمكان تقديم المعالجات! وكانه يقول: لم تعد فنلندا قادرة كما كانت سابقا على أداء دور مميز بين المعسكرين في هذه الفترة على الأقل.
جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى