متابعات

أربعون عاما ليست كافية لنهاية جدل عن كتاب سياسي ساخر

 

 

 

مطلع الثمانينات من القرن الماضي.. فيما كان الرئيس الفنلندي “اورهو كيكونن” في خريف عمره، تتراجع صحته يوما بعد اخر، بهمس يتساءل بعضهم من هو البديل في الانتخابات الرئاسية الفنلندية عام 1984، الحريات الصحفية ليست متاحة على مصراعيها خصوصا حينما يخص الموضوع الحياة الشخصية للرئيس او للسياسيين. آنذاك تداول صحفيون بالقسم السياسي في صحيفة هلسنكي صانومات كتابة شيء يحرك المياه الراكدة حول مستقبل فنلندا، وهذا ما حصل، حيث انجز كتاب نقدي ساخر بعنوان  “”Tamminiemen pesänjakajat ساهم فيه سبعة صحفيين، لكنهم وقّعوه باسم مستعار “جمعية السبت”، عرض الكتاب بداية على مطبعة WSOY لكنها رفضت طباعة الكتاب، عرض لاحقا على مطبعة مغمورة فقبلت المهمة، نشر الكتاب مطلع تشرين الأول عام 1981، يتضمن الكتاب عرضا عن اكثر من عشرين سياسيا فنلنديا يمكن ان يكونوا أسماء مطروحة بعد اورهو كيكونن، تضمن العرض تفاصيل شخصية عن حياة السياسيين وسلوكهم العام والشخصي.

 

لقد حرص الصحفيون على جمع المعلومات نتيجة احتكاكهم اليومي بالسياسيين في البرلمان وأيضا خلال مختلف اللقاءات التي تجمعهم بالنخب السياسية في هذه المناسبة او تلك، السياسيون كانوا يتحدثون عن بعض التفاصيل باريحية مفرطة لانهم يعرفون صعوبة ان يجازف أي صحفي لنشر هذا النوع من اليوميات باعتباره تابوها في الاعلام الفنلندي آنذاك.

بعد عشرة أيام على نشر الكتاب أي “27 تشرين الأول 1981” قدّم كيكونن استقالته لاسباب صحية.. مما ساهم باعطاء الكتاب زخما اكبر، وحظي باقبال استثنائي من قبل القراء.

 

بعض الصحفيين انتقدوا الكتاب لانه طبع باسم مستعار سيما وان معايير النشر آنذاك خصوصا عن الحياة الشخصية للاخرين تتطلب تحمل المسؤولية باسم صريح.. لكن الجمهور استقبل الكتاب بشغف، هناك من وجد في ذلك فرصة لتقديم المعلومة للجمهور ولو من خلال تلك الوسيلة المثيرة للجدل. في الوسط السياسي حصل امتعاض كبير من الكتاب حتى طالب بعضهم “مثل السياسي عن حزب الوسط بافو فاورنن” بحرق الكتاب!

 

الاثارة لم تنته مع الكتاب المذكور بل بدات للتو! عام 1982 كشف مدير مطبعة WSOY أسماء أعضاء جمعية السبت الذين نشروا الكتاب، وهم كل من: Aarno Laitinen, Arto Astikainen, Kalle Heiskanen, Ritva Remes, Hannu Savola, Anneli Sundberg, Janne Virkkunen.

 

مدير المطبعة كان يعرف الأسماء لان الكتاب عرض عليه سابقا، ذلك دفع صحيفة هلسنكي صانومات لطرد اهم الأشخاص بالمشروع ” Aarno Laitinen” الذي كان يتراس القسم السياسي بالصحيفة وتوجيه انذار لبقية الصحفيين، أسباب الطرد هي ان الصحيفة لا تفضل العمل بهذه الطريقة التي لا تتناسب ومعايير الصحافة المحكمة، إضافة لكون الأشخاص قدموا هذا العمل لناشر منافس!

حينما سئل اينو لايتينن من قبل وسائل الاعلام عن سبب لجوئه وزملائه الصحفيين الى نشر الكتاب باسم مستعار.. أجاب بانهم أرادوا ابعاد هلسنكي صانومات عن الصورة فيما يخص تبعات الكتاب، وأيضا أرادوا تجنب العقوبات، لاحقا الجهات القضائية انصفت ارنو لايتينن واعتبرت إخراجه مخالفا للقانون مما تطلب تقديم التعويض المالي له.

 

يعتقد كثيرون في فنلندا بان الحريات الصحفية بالمجال السياسي انتقلت نقلة مهمة في متابعة حياة السياسيين بما في ذلك الحياة الشخصية بعد ذلك الكتاب وانه ساهم برفع سقف الحريات الصحفية. تزامنا مع مرور أربعة عقود على نشر الكتاب قدم التلفزيون الفنلندي فيلما وثائقيا يتحدث عن تلك التجربة المثيرة للجدل، تضمنت المادة الوثائقية مراجعة لملابسات المشروع وتبعات ما حصل مع المؤلفين.

 

جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى