إقليم اولاند “آهفنن ما” أرخبيل من التاريخ والسياسة في بحر البلطيق
عدد هائل من الجزر متناثرة على مقربة من بعضها في بحر البلطيق قبالة السواحل الفنلندية والسويدية، بعدد سكان لا يتعدى الثلاثين الفا، وبلغة رسمية واحدة وهي السويدية ذلك هو إقليم “اولاند” او “أرخبيل آهفنن ما” كما يحلو للفنلنديين تسميته.
الإقليم الذي يمثل محطة وسطية لخط البواخر النشط جدا بين البلدين 88% من سكانه ناطقون باللغة السويدية، 5% ناطقون باللغة الفنلندية والاخرون بلغات أخرى.
ان الإقليم هو المنطقة الوحيدة في فنلندا التي تتمتع بالحكم الذاتي، والمنطقة الوحيدة في البلاد التي تسودها لغة رسمية واحدة، كما انه منطقة منزوعة السلاح، وبهدف عدم احداث تغيير ديموغرافي فقد وضعت فيه ضوابط مشددة بعض الشيء لكل من يريد العيش والاستقرار هناك، ان حق الانتخاب في اهفنن ما يتطلب شروطا اكثر من الشروط المطلوبة في بقية انحاء فنلندا. بل ان بعض الاتفاقيات الدولية التي تعقدها فنلندا ولها انعكاس مباشر على مستقبل الإقليم تتطلب مصادقة برلمان الإقليم عليها.
هذه المواصفات الخاصة والتي تميز الإقليم عن بقية انحاء فنلندا جاءت نتيجة قرار أممي استصدر في العشرينات من القرن الماضي من قبل عصبة الأمم يخضع آهفنن ما للسيادة الفنلندية لكن مع الالتزام بالشروط المشار اليها. القرار جاء حسما للخلاف الذي دار حينها بين فنلندا والسويد حول عائدية تلك الجزر.
تاريخيا فان الإقليم كان مهجورا من السكان اثناء حقبة الفايكينغ (من القرن الثامن وحتى القرن الحادي عشر للميلاد)، ربما خوفا من غزواتهم المتتالية آنذاك، سيما وان المنطقة أرخبيل يقع في عرض البحر. وحينما أفلت حقبة الفايكينغ في القرن الثاني عشر استوطن الجزر سكان من السويد وفنلندا وتعايشوا حينها بسلام. بعد الاحتلال السويدي لفنلندا بفترة وابتداءا من العام 1634 ضمت جزر اولاند الى مقاطعة توركو الواقعة جنوب غرب فنلندا، استمر الحال حتى العام 1918. بعد استقلال فنلندا عام 1917 وارتباك الوضع الأمني والسياسي في البلاد ثم الحرب الاهلية تدخلت السويد عسكريا في إقليم اهفنن ما بحجة حفظ الامن هناك، كان السويديون يرغبون في ضم الإقليم الى السويد واستثمار موقعه الاستراتيجي قبالة السويد، فنلندا وروسيا. وحاول السويديون استغلال الأغلبية الناطقة بالسويدية هناك من اجل فرض سيادتهم على اهفنن ما.
فنلندا رفضت ذلك، وردا على ذلك التحرك حصل تحرك مشابه بالاتجاه الاخر شمال فنلندا في المدن السويدية المحاذية للحدود الفنلندية وخصوصا القريبة من تورنيو، في المدن التي يشكل الناطقون بالفنلندية غالبية سكانها وهددوا اذا ما ضمت السويد اهفنن ما، فانهم يتمسكون بذات الذريعة من اجل الانضمام الى فنلندا. ذلك كان احد العوامل الأساسية التي فرملت اندفاع السويد ودفعتها للمراجعة في ضم إقليم اهفنن ما. ذلك الجدل أدى الى إحالة الملف الى عصبة الأمم واستصدر قرار لصالح فنلندا بمواصفات خاصة. وبغض النظر عن القرار السيادي يمثل الإقليم في الوقت الحالي نقطة التقاء لمصالح البلدين ومحطة لتنشيط العلاقات الاقتصادية والثقافية ويحرص الجانبان على التعاون الثنائي بخصوص اهفنن ما وبقية الملفات.
جمال الخرسان