منوعات

أورورا .. استعراض مناخي راقص يضيء سماء القطب الشمالي

اعتاد سكان المدن الواقعة في الدائرة القطبية مشاهدة احدى أغرب وأجمل الظواهر الطبيعية، الظاهرة تبدو وترتسم شتاءا على هيئة الوان متمازجة بشكل ملفت تشاهد في مناطق القطب بين السماء والارض.

لأن الثلج في المنطقة القطبية يملأ الافق، فالارض الناصعة البياض تتحول الى شاشة طبيعية للاستعراض المناخي الراقص، بأشكال فنية وهندسية مختلفة، أقواس وإشعاعات تتمايل بانعطافات وانحناءات غاية في الروعة والجمال، تسمى تلك الظاهرة بـ”الشفق القطبي” او “Aurora”. الظاهرة تتأتّى نتيجة انعكاسات الأشعة المنبثقة من الشمس والقادمة إلى الأرض نتيجة تفاعلات طبقة الكرونا، حيث يستقطب مركز ثقل القطب تلك الأشعة التي تظهر لمن يشاهدها على شكل شفق بألوان خلابة وتشاهد عادة في منطقة الدائرة القطبية.

قصص وأساطير

ولان الظاهرة ملفتة جدا ومثيرة لفضول الانسان حيكت حولها العديد من الأساطير والحكايات منذ قديم الزمان، شعب الأسكيمو يعتقد أن الشفق ما هو إلا كائن حي فضولي، “إذا ما تحدثت بصوت خافت، سوف تقترب لتحاول إشباع فضولها”.

اما بالنسبة للرومان فإن أورورا هي آلهة الفجر، انها تقطع السماء في عربتها قبيل الفجر يسبقها ابنها “نسيم الصباح” معلنة قدوم عربة “أبوللو” إله الموسيقى والنور والفطنة، وبقدوم تلك العربة تطل على البشر شمس يوم جديد.

وفي الأساطير اليونانية فإن أوروا هي ربة الفجر رُزقت أورورا وزوجها تيثونوس شقيق بريام ملك طروادة بابن يدعى ميمنون، قتله بعد ذلك البطل اليوناني أخيل أثناء حرب طروادة، وتضرعت أورورا إلى جوبيتر، إله الآلهة الأسطورية، لكي يجعل تيثونوس خالِداً. ولكن أورورا نسيت أن تطلب بقاء تيثونوس شاباً، ونتيجة لذلك شاخ تيثونوس وذوى، إلى أن أصبح مجرد صوت، وتحول إلى جندب، حسبما تقول إحدى ترجمات الأسطورة. بالإضافة الى ما تقدم هناك الكثير من التوظيفات المختلفة في المنظومات الثقافية المتنوعة لهذا العالم، فأوروا رمز اسطوري يؤمّن لأصحابه مقداراً من التناغم والتجانس والمواءمة بينهم وبين الكون وعناصره كموروث من زمن الوعي الاسطوري.

انفجار طاقة مغناطيسية

ان الظاهرة العلمية الفريدة من نوعها تحولت الى أيقونة رمزية في ثقافات الشعوب وخصوصا الشعوب القطبية، ولهذا اخذت حيزها الكبير والمتميز في الأساطير القديمة، كما وظفها الأدباء بظرافتهم المعهودة إيحاءا وتأويلا في مناسبات مختلفة، الأمر ذاته ينطبق على مشاهير الرسامين في العالم وشاهد على ذلك “لوحة أورورا” للفنان الفرنسي فرانسوا بُوشيه، ذلك وغيره أعطى للظاهرة وللمفردة بعدا فنيا وقيمة اكبر بكثير من قيمتها العلمية التي عكفت على حل بعض الغازها مؤخرا وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) حينما اعلنت بأنها تمكنت من فك لغز الشفق القطبي بفضل مجموعة من خمسة أقمار أميركية تابعة للبعثة “ثيمس” التي راقبت منذ سنوات كيفية تكوّن هذه الظاهرة. واكتشف الباحثون أن انفجار طاقة مغناطيسية عند ثلث المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر كانت مسؤولة عن هذه الظاهرة الضوئية التي تتشكل من أوشحة خلابة من الألوان الصارخة يطغى عليها اللون الأخضر.

هلسنكي- جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى