ثقافة وفن

عالم الاجتماع الفنلندي ويسترمارك ومنجزه الاكاديمي عن المغرب

باحث غير متزوج يكتب احدى اكبر موسوعات الزواج، ونقطة جغرافية واقعة في طريق رحلته تجبره على تغيير مساره والبقاء فيها من اجل انجاز بحث علمي. هذه بعض مفارقات الشخصية الفنلندية التي ارتبطت كثيرا بالمنطقة العربية وخصوصا المغرب. انه الانثربولوجي والفيلسوف الفنلندي “Edvard Westermarck” ادفارد ويسترمارك الذي عاش في المغرب قرابة السبع سنوات من اجل تحقيق منجزه العلمي في مجال علم الاجتماع حيث تناول المجتمع المغربي نموذجا في دراسة ميدانية شاملة. ويسترمارك الذي ولد في هلسنكي في آذار عام 1862 بعد ان اكمل دراسته الاكاديمية عمل في جامعة “أبو” في مدينة توركو الواقعة جنوب فنلندا، وكذلك في جامعة هلسنكي إضافة الى مؤسسات اكاديمية في بريطانيا.

كان صاحب رؤية علمية رصينة جدا في مجال اختصاصه وله شهرة عالمية كبيرة آنذاك. في مشواره العلمي كان ويسترمارك يفضل الورش الميدانية، ولذلك قرر من اجل انضاج بحثه العلمي السفر الى القارة الامريكية، لكن ولسبب ما غير وجهته الى المغرب اعتقادا منه انها بيئة مناسبة للدراسة التي يعمل عليها ولم تنجز عنها الكثير من الأبحاث العلمية من زاوية اجتماعية.

اقام ويسترمارك في المغرب قرابة السبع سنوات بين الاعوام 1898 -1926 وكان يعود الى هلسنكي او لندن بين الحين والأخر ابحاثه هناك، اثناء وجوده في المغرب اشترى ويستر مارك بيتا في مدينة طنجه وسكن فيه فترة من الزمن، ما ساعده على الاستمرار في السفر لسنوات طويله انه لم يكن متزوجا.

رحلته الأولى كانت ممولة بمنحة من جامعة هلسنكي، حينما يتنقل من مدينة او قرية الى أخرى كان برفقته مساعدون في بحثه وأيضا جندي من اجل الحماية من مهاجمة اللصوص او الحيوانات. لقد تنقل من صحراء المغرب الى جبالها من شمالها الى جنوبها، زار طنجه، مراكش، تطوان ومدن أخرى رفقة صديقه ودليله المغربي “شريف سيدي عبد السلام البقالي” الذي جنّبه العديد من المشكلات التي واجهته في رحلته الاولى. تحمل الكثير من العقبات والمخاطر، خلال تلك الفترة انجز الكثير عن المغرب، كما التقط عددا كبيرا من الصور، جزء مهم من ارشيف ويسترمارك محفوظ في اكاديمية “أبو”. وهناك العديد من اللقى التي جلبها معه من المغرب تحفظ حاليا في قصر الثقافة وسط العاصمة الفنلندية.

رحل ويستر مارك في الثالث من أيلول عام 1939 وترك ورائه موروثا علميا مميزا في مجال علم الاجتماع والدراسات الانثربولوجية، له كتاب شهير يحمل عنوان “موسوعة تاريخ الزواج”، أيضا جملة من الكتب عن المبادئ الأخلاقية وتطورها، ثم سلسلة من الأبحاث الاكاديمية العلمية التي جاءت نتيجة جولاته الميدانية في المغرب على مدار سنوات. لقد حاول تقديم تفسيرات علمية للتداخل الكبير بين الموروث الاجتماعي، الديني والخرافة او الشعوذة المتداخلة مع العناصر السابقة.

ختاما لابد من القول ان ويستر مارك لم يرتبط بالعالم العربي من خلال منجزه المعرفي فقط بل أيضا من خلال طالبته الشهيرة البروفيسورة “هيلما غرانفيست” هذه الأخيرة هي الأخرى عاشت في فلسطين مطلع القرن العشرين عدة سنوات من اجل انجاز دراسة اجتماعية هناك.

جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى