سياسة

اثر الحرب العالمية الأولى على التحولات السياسية الكبرى في فنلندا

 

 

احتفل العالم في تشرين الثاني عام 2018 بالذكرى المائة لانتهاء الحرب العالمية الأولى التي استمرت اربع سنوات 1914ـ1918 وحصدت ملايين الضحايا في أوروبا وساهمت الى حد كبير في رسم حدود الكثير من البلدان وظهورها بهذا الشكل الحالي. بهذا الصدد يراجع الفنلنديون ارشيفهم ومواقفهم وتجاربهم في تلك الحقبة التاريخية الاستثنائية جدا.. الفنلنديون وان لم يشاركوا بشكل مباشر في الحرب، باعتبار ان فنلندا كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية آنذاك لكن معطيات الحرب وافرازاتها بدت واضحة جدا في الداخل الفنلندي من جهة وأيضا مشاركة الفنلنديين بكلا الجبهتين تطوعا من جهة أخرى جعل تلك الحقبة جزءا مفصليا من التاريخ السياسي والعسكري الفنلندي.

كان الفنلنديون يعانون فقرا مدقعا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وكانوا يجدون في التطوع بالجيوش حلا للازمة الاقتصادية في بعض الأحيان، تطوع الكثير من الفنلنديين في الجيش الروسي، على صعيد متصل بالازمة تطوع حوالي 300 فنلنديا في الجيش الأسترالي المشارك في تلك الحرب الكونية.

وفي المقابل أيضا تطوع الكثير من الفنلنديين في كتيبة ياكريت التي ذهبت الى المانيا عام 1915 بهدف التدريب عسكريا ومقاتلة الاحتلال الروسي في فنلندا، المانيا كانت تدعم أي تحرك عسكري فنلندي تجاه الخصم الروسي. هذه الكتيبة من الفنلنديين التي تدربت في المانيا واكتسبت العقيدة السياسية للجيش الألماني أيضا حينما عادت الى فنلندا بعد سنوات كان لها دور كبير في الحرب الاهلية الفنلندية التي حصلت عام 1918. في تلك الحرب انقسم الفنلنديون الى معسكرين الحمر وهم المنحازون الى روسيا وغالبيتهم من الفقراء، والبيض المنحازون الى المانيا وهم الأغنياء، ذلك المشهد يمثلا امتدادا طبيعيا للصراع بين خندقي الأعداء في الحرب العالمية الأولى.

 

سياسيا أيضا انعكست التحولات في الحرب العالمية الأولى بشكل واضح على فنلندا، الحرب ساهمت بمزيد من الاحتقان الشعبي في روسيا القيصرية بسبب الهزائم التي تعرضت لها روسيا إضافة الى ان البلاشفة كانوا ضد تلك الحرب واعتبروها حربا لصالح الأغنياء والقوميين، ذلك أدى الى قيام الثورة البلشفية عام 1917 بقيادة لينين، هذا الأخير وعد الفنلنديين برد الجميل لهم حينما احتضنوه أيام نضاله ضد القياصرة بان يمنحهم الاستقلال وهذا ما حصل بالفعل فاستقلت فنلندا عام 1917. استقلال فنلندا وان بدأ بتنسيق فنلندي مسبق مع لينين انسجاما مع اهداف ثورته لكنه ترسخ بشكل كلي في معاهدة “بريست ليتوفيسك الموقعة في آذار 1918 بين قيادات الثورة الروسية وبين المانيا)، حيث نصت الاتفاقية على تأكيد استقلال مجموعة من البلدان بينها فنلندا عن روسيا وضرورة انسحاب القطعات العسكرية الروسية بشكل كلي من فنلندا بما في ذلك الاسطول البحري. الثورة الفتية ارادت تخليص روسيا من فاتورة الحرب الباهضة والبدء بمرحلة جديدة من السلام بحثا عن الاستقرار الداخلي لبلد مثل روسيا يعيش تحولا سياسيا غير معهود، ولذلك وقعت هذه الاتفاقية. وكما عززت هزيمة روسيا والثورة فيها استقلال فنلندا فان هزيمة المانيا عززت المنحى الجمهوري في هذه البلاد، لان الالمان كان يضغطون من اجل تعيين ملك لفنلندا، وقد اتخذت الخطوات الأولى لذلك وعين الملك لكنه لم يحكم وبقي التاج الملكي رهينة المتاحف كجزء من تاريخ البلاد.

مما تقدم يبدو واضحا بان للحرب العالمية الأولى تاثير كبير في الواقع الفنلندي، على الصعيد السياسي، العسكري والاجتماعي.. انها حقبة مؤثرة جدا في ذاكرة الشعب الفنلندي التي يحرص على عدم تجاهلها ونسيانها خوفا من تكرارها مرة أخرى بمظاهر مختلفة وربما على شرف صراعات دولية من نوع آخر.

جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى