وقفة مع ماضي وحاضر الاعلام الفنلندي
كما هو الحال مع بقية البلدان الاوروبية والاسكندنافية بشكل خاص يحظى الاعلام باهمية كبيرة ودور بارز في جمهورية فنلندا. فالفنلندي لا يعمل عادة في سوق او مكتب او ما شابه ذلك الا وهناك راديو عام يعمل بصوت هاديء يطلعه بشكل او باخر على اخر المستجدات عن الشأن العام. كما ان الكثير منهم اعتادوا على قراءة الصحيفة في الصباح الباكر مع فنجان قهوة قبل الذهاب الى العمل، او حتى في مكان العمل نفسه.. حتى اصبحت هذه الامور تقليدا متبعا وعادة اجتماعية، كما انه من الطبيعي ان تشاهد الفنلنديين يطالعون الصحف اثناء التنقل في المواصلات العامة.
الفنلنديون لهم علاقة وثيقة بالصحف والراديو ويفضلونهما في كثير من الاحيان على التلفزيون، من هنا يمكن تفسير وجود خمسة الاف صحيفة ومجلة ورقية والكترونية في فنلندا، ان الشعب الفنلندي شعب قاري نهم للصحف وللكتب أيضا.
نظرة تاريخية
لمزيد من الوضوح حول الموضوع لابد من نظرة ولو على عجل الى الوراء، الى تاريخ الاعلام الفنلندي.. ومنذ متى كانت انطلاقة وسائل الاعلام في فنلندا؟
ان بداية عصر النهضة العلمية والثقافية في فنلندا يعود الى القرن السابع عشر الميلادي حينما تاسست اكاديمية توركو (الان جامعة هلسنكي) عام 1640 ومطبعتها القديمة عام 1642، في تلك الفترة أيضا اخذت المدارس بالانتشار في فنلندا. حينها بدأ الجيل الصاعد يواكب متطلبات المرحلة ويبحث عن نفسه من خلال الكثير من مظاهر الحداثة. ولان المسيطر على زمام المبادرة في فنلندا في تلك الفترة هي المملكة السويدية من هنا كانت الصحيفة الفنلندية الاولى ” Tidningar Utgifne Af et Sällskap i Åbo” التي صدرت ابتداءا من العام 1771 تصدر باللغة السويدية من مدينة توركو الواقعة جنوب فنلندا.
اما الصحيفة الفنلندية الاولى الناطقة باللغة الفنلندية ” Suomenkieliset Tieto-Sanomat” فقد صدرت بعد ذلك باربع سنوات اي في العام 1775، استمرت الصحيفة لمدة عام واحد ثم توقفت.
بعد تلك الفترة اخذت الصحف الفنلندية تصدر بين الحين والأخر، بعضها يتوقف وبعضها يستمر وفقا للظروف الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية. وهكذا شيئا فشيئا انتشرت الصحف بشكل كبير جدا في القرن التاسع عشر. وما ان انتشرت مطابع الكتب في فنلندا حتى رافقتها البداية الحقيقية للصحف الفنلندية ولذلك تجد بعض دور الطباعة والنشر العريقة في فنلندا لها ارتباط وثيق جدا باصدار الصحف ووسائل الاعلام.
هذا طبعا فيما يتعلق بالاعلام المقروء، اما فيما يتعلق بالاعلام المرئي والمسموع فقد بدأ اول ارسال اذاعي في العام 1920، وبعد ذلك بثلاثين عاما انطلق اول ارسال تلفزيوني في فنلندا اي في العام 1957.
ملاحظات حول الاعلام الفنلندي
– منذ صدور اول صحيفة فنلندية قبل اكثر من قرنين صدرت الاف الصحف ووسائل الاعلام الاخرى بعضها استمر بعضها تغير اسمه بعضها اندمج مع مؤسسات اكبر وبعضها توقف وهكذا. هذه التجربة من النشاط الاعلامي تمنح الاعلام الفنلندي تاريخا طويلا يسمح له بالاتكاء على جملة من الضوابط والاعراف والتقاليد في الاعلام الفنلندي تضبط ايقاعه بشكل ذاتي في كثير من الاحيان.
– الملفت ان المؤسسات الاعلامية الفنلندية تميل للعمل تحت اطار مجموعات كبيرة متنوعة وتمتلك امكانيات مادية وفنية اكبر، مما يسمح لها بالعمل في مختلف مجالات الاعلام المرئي المسموع والمقروء، لكن الكثيرة من الاذرع العاملة تحت خيمة مؤسسات اكبر منها تبقى محتفظة بعلامتها التجارية الخاصة بها بعد مرحلة الاندماج.
العمل بهذا الاسلوب يوفر من ناحية اقتصادية الكثير من المال ويساهم ايضا في تحريك الاذرع المختلفة بالاعتماد ولو على منتج مؤسسات المجموعة نفسها. بمعنى ان تلك المؤسسات تحفظ راس المال ولا تفرط به لانه في الغالب يتداور في اطار المجموعة الواحدة.
معظم وسائل الاعلام والمجموعات الاعلامية في فنلندا هي شركات غير رسمية تابعة للقطاع الخاص والمؤسسات المدنية.
– فيما يتعلق بالفساد الاداري والضغط على السياسيين فإن الاعلام الفنلندي نشيط جدا وقادر على فضح الفساد الاداري ان وجد والخروج عن السياق في مؤسسات الدولة، وخصوصا حينما يسلط على اولئك الساسة صحفه الجادة والصفراء وهذه الاخيرة معنية بالفضائح وسقطات المشاهير، ان الاعلام الفنلندي اخرج ياتنماكي من رئاسة الوزراء عام 2003، والاعلام الفنلندي ابعد كانرفا عن وزارة الخارجية الفنلندية عام 2007 والاعلام الفنلندي اجبر ماتي فانهانن على الاستقالة قبل انهاء دورته الثانية عام 2010.
– هناك صحف واسعة الانتشار في كل فنلندا وهناك صحف واسعة الانتشار جدا في اقاليم ومناطق جغرافية معينة ولكن هذه الاخيرة مهمة في صناعة الراي العام في مكان انتشارها. مثل صافون صانومات وهي اشهر صحيفة في اقليم الصافو الواقع شمال شرق فنلندا، توركو صانومات ذات الانتشار في جنوب غرب فنلندا… وكذلك صحيفة الصباح المنتشرة في مدينة تامبيرا وما حولها.
– هناك وسائل اعلام تقوم بتحرير واعداد مجلات وصحف لمؤسسات اخرى مثل بلدية معينة او سوق معينة مثل بيركا تعدها احدى المؤسسات بينما هي اساسا تابعة لمجموعة تجارية معنية بالاسواق. بعض المجموعات التي تقدمت تتكفل بنشر وطباعة وتسيير صحف رسمية تابعة لبعض البلديات والمدن مقابل اجر.
– تتنوع وسائل الاعلام من سياسية اقتصادية تعليمية منوعة دينية غنائية رياضية وغير ذلك. هناك وسائل اعلام ومجلات تابعة لمؤسسات تعليمية او مراكز دراسات هذه ذات طابع اكاديمي جاد جدا. وهناك صحف ومجلات في مجال الفنون والمنوعات تمول من قبل معاهد خاصة وجامعات.
جمال الخرسان