سياسة

هل وفت قمة هلسنكي بوعودها.. ؟

بإقامة الرئيس الفنلندي مساء امس الاثنين مؤتمرا صحفيا بحضور مختلف وسائل الاعلام يكون قد اسدل الستار على برنامج عمل “قمة هلسنكي” التي جمعت بين رئيسي الولايات المتحدة الامريكية وروسيا بهدف تقريب وجهات النظر. نهاية القمة لا تعني باي شكل من الاشكال نهاية تداعيات القمة والحديث عما حملته من تفاهمات، اسرار ونتائج.

ومع ان قمما من هذا النوع لا تبوح بكامل اسرارها بعيد ساعات او أيام من اقامتها الا ان ما بدى من ارتياح واضح جدا على محيا ترامب وبوتين في المؤتمر الصحفي الذي اعقب نهاية اربع ساعات من المفاوضات يؤشر على نجاح المباحثات وتقريب وجهات النظر حول العديد من الملفات العالقة وان ما تحقق في القمة جعل القمة تفي بوعودها خصوصا بالقياس لما اعلن قبيل انعقادها من مواقف أمريكية وروسية كانت تخفض من سقف التطلعات المنتظرة للقمة.

وفي هذا السياق يأتي تصريح الرئيس الأمريكي ترامب في المؤتمر الصحفي حينما قال: ان علاقاتنا مع روسيا تغيرت منذ اربع ساعات. في إشارة الى الى نجاحات المباحثات.

وكما أشار بوتين في ذات المؤتمر الصحفي بان المباحثات كانت صريحة وبنّاءة، بوتين ذكر العديد من الملفات التي عرضت على طاولة الحوار، منها ما يخص الدولتين بشكل مباشر كما هو الحال مع ملف التسليح، وتحركات الناتو والعلاقات الاقتصادية إضافة الى الاتهامات التي تتحدث عن تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية ومنها أيضا ما يخص الحلفاء ومناطق النفوذ في العالم كما هو الحال بالنسبة للملف السوري، الملف النووي الإيراني وحتى الاوكراني.

بالنسبة للملف السوري يبدو ان التفاهمات حتى الان تشير الى صفقة ما، تخص الجنوب السوري لازالت غير واضحة المعالم ورد بعض ملامحها في إشارات بوتين حينما تحدث عن ضرورة إعادة الانتشار للجيش السوري وفق اتفاقية وقف اطلاق النار الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974.

في السياق الحديث عن القمة أيضا لا ينبغي اهمال الانضباط الكبير الذي ابداه ترامب في قمة هلسنكي، على غير العادة، اذ لم يصدر منه تصرف من قبيل المشاكسات المعهودة عنه، والتي سبق وان ظهرت امام وسائل الاعلام في قمم كبرى مثل قمة مجموعة السبع او في اجتماع حلف الناتو الذي عقدت قبل أيام في بروكسل.  لكن هذا الانضباط لم يشفع لترامب ويجنبه هجوما عنيفا في الداخل الأمريكي بسبب غزله الدبلوماسي المتبادل مع بوتين.

ان وسائل الاعلام لازالت تتابع بشغف تفاصيل ما جرى في وسائل الاعلام او حتى ما حصل خلف الكواليس، الكل يعيد قراءة التفاصيل من جديد في امل الوصول الى استنتاج او ملاحظة ملفتة، حول القمة نفسها او حول اسرار التنظيم الملفت لحدث من هذا النوع. لكن الرهان الأهم سوف يكون على معرفة ما جرى خلال ساعتين من المفاوضات جرت فقط بين بوتين وترامب بحضور المترجمين، ثم تلتها ساعتان اخريتان من المباحثات على غداء عمل بحضور بقية أعضاء الوفدين.

وفي هذا السياق أيضا يتم استرجاع شريط الذاكرة والعودة للقمم الروسية الامريكية السابقة، فهلسنكي استضافت سابقا ثلاث قمم من هذا النوع. القمة الأولى كانت عام 1975، في تلك القمة إلتقى الرئيس السوفيتي برجنيف مع الرئيس الامريكي فورد، شارك في القمة أيضا عدد كبير من قيادات العالم، اللقاءات اثمرت عن توقيع اتفاقية هلسنكي التي تحولت لاحقا الى منظمة التعاون والامن الاوروبي.

على خلفية غزور العراق للكويت وحينما احتدم الصراع السوفيتي الأمريكي في مجلس الامن استضافت هلسنكي قمة خريف العام 1990 بين الرئيس السوفيتي غوربتاشوف وبين جورج بوش الاب، وتوصل الطرفان الى تفاهمات فيما يتعلق بأزمة الكويت. أيضا عام 1997 احتضنت هلسنكي قمة يلتسين الرئيس الروسي والرئيس الامريكي بيل كلينتون.

كما ان بعض المحللين يعتقدون بان لقاء يلتسين مع بوش الاب عام 1992 في أمريكا وهو اول لقاء بين روسيا وامريكا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي كان ذلك اللقاء نتيجة تفاهمات تمت بين الجانبين في قمة منظمة الامن والتعاون الأوروبي التي انعقدت في هلسنكي عام 1992. في لقاء الزعيمين اعلن حينها رسميا عن نهاية الحرب الباردة.

خلال 43 عاما تكون هلسنكي استضافت اربع قمم أمريكية روسية عالية المستوى، وبذلك عززت مكانتها باعتبارها الموقع االمفضل لانعقاد هذا النوع من القمم التي تساهم بخفض منسوب التوتر بين القوى الكبرى في العالم.  

في اطار الحديث عن القمة ونجاح تنظيمها لا اجد ختاما افضل مما جاء على لسان الرئيس الفنلندي نينستو حولها: “ان فنلندا دفعت ضريبة باهضة في الحرب العالمية الاولى والثانية وتحاول منع الحرب العالمية الثالثة من خلال صناعة السلام”.

جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى