اقتصاد

جدل إيجابي حول الهجرة ولكن من زاوية الاقتصاد

 

ليس جديدا ان يثار الجدل حول الهجرة في فنلندا او أي بلد أوروبي، ولكن الجديد هذه المرة ان الملف يتم تناوله من زاوية اكثر إيجابية بالقياس للجدل المثار سابقا حول الهجرة، حيث عادة ما يتم تناولها من زاوية كونها ازمة، هذه المرة طرح من قبل بعض المختصين كجزء من حل.. لازمة ليس المهاجرون سببا فيها.

الاحصائيات السنوية التي تثبت تراجع نسبة الولادات في فنلندا للسنة الثامنة على التوالي أي منذ العام 2010، والتي اكدت على سبيل المثال ان العام 2017 شهد ولادات لم تتجاوز الـ51 الفا، وهذا المستوى تاريخي حيث لم يتناقص عدد الولادات في فنلندا بهذا الشكل منذ 150 عاما، إضافة الى زيادة الشيخوخة.. هذه الاحصائيات اثارت الهلع ودفعت الجهات المعنية في فنلندا الى البحث عن حلول للازمة بشكل او بآخر، على شرف موسم انتخابي ساخن جدا الربيع المقبل تراهن عليه كثيرا مختلف القوى السياسية الفنلندية في استقطاب الجمهور.

ان قلة الولادات وتزايد الشيخوخة دفعت الى البحث عن معالجات لتلك الازمة، على المدى القريب، والبعيد، وقد وعدت القوى السياسية مجتمعة بضرورة مراجعة سقف الرفاهية عند العائلة الفنلندية وتشجيعها على الانجاب، خصوصا وان اغلب العازفين عن انجاب الأطفال يعزون ذلك لاسباب اقتصادية ومتطلبات الحياة الحديثة الباهضة الثمن، سيما وان المجتمع الفنلندي خرج للتو من اتون ازمة اقتصادية دفعت الحكومة الى إرساء خطة تقشف استمرت لثلاث سنوات.

وبموازاة هذا المسار الذي يقدم حلولا على المدى البعيد هناك مسار اخر لحل الازمة وهو التشجيع على الهجرة، في هذا الجانب تختلف الأحزاب الفنلندية هناك أحزاب تدعو لتشجيع الهجرة، واستثمار طالبي اللجوء بشكل جيد خصوصا وان بعضهم موجود في فنلندا منذ عدة سنوات وبعضهم يعمل، يشجع على تلك الرؤية بعض المختصين الذين طالبوا عبر وسائل الاعلام بضرورة استثمار اليد العاملة المعطلة دون مبرر بين طالبي اللجوء. أحزاب الديمقراطي الاشتراكي، اتحاد اليسار والخضر يدفعون باتجاه هذه القناعة. هناك أحزاب فنلندية تبحث عن الهجرة على النموذج الكندي والامريكي، أي انتقاء المهاجر المتعلم والمتمرس لدوافع اقتصادية بالدرجة الاولى، ويتفق مع هذه الرؤية حزبا الوسط والمؤتمر الوطني، الحزبان يطالبان أيضا بضرورة ان يكون هناك تنوع في الشرائح المهاجرة أي قادمة من بلدان وقارات مختلفة وليس من بيئة جغرافية واحدة، كما ان هذه الرؤية تشجع الباحثين عن فرص الوصول الى أوروبا اختيار الطريق القانوني في الهجرة وعدم تشجيع الاتجار بالبشر.

اما الطرف الرافض للهجرة كليا فهو اليمين المتطرف الفنلندي بشقيه حزب الفنلنديين الحقيقيين وكذلك المستقبل الأزرق، ان سياسة هذين الحزبين متمركزة على رفض الهجرة واستعمال ذلك الملف كورقة انتخابية يستثيرون من خلالها عواطف الشريحة التي يخاطبونها ويراهنون عليها، ويسوقون جملة من من الاسباب لتبرير ذلك الموقف، اما بدائلهم لحل الازمة فهي تتمثل باستثمار المكننة والتقدم التقني من اجل تعويض النقص في اليد العاملة، اما ان كان ولابد من الهجرة فالاولوية للمهاجر الغربي.

في مناسبات سابقة طالب رئيس غرفة التجارة الفنلندي بضرورة التخلي عن البيروقراطية في استقطاب المهاجرين من اجل العمل، فنلندا في حالة نمو اقتصادي ولكن نقص اليد العالمة يعرقل ذلك، هناك مجموعة عقبات يجب التغلب عليها.

هناك أيضا ضوابط وشروط للهجرة من اجل العمل وضعها الاتحاد الأوروبي، بان تكون الأولوية في الهجرة من اجل العمل متاحة للقادمين من بلدان الاتحاد، ثم تنتقل النوبة الى البلدان الأخرى. وهذا الملف أيضا بحاجة الى معالجة لكن في اطار أوروبي هذه المرة.

وبالمجمل العام فان ملف الهجرة تحرك هذه المرة من زاوية اقتصادية اكثر الحاحا، تقوّي موقف المهاجر، ولا تحصر فرصته بالمظلة الإنسانية فقط. الموقف اكثر إيجابية هذه الأيام تجاه المهاجرين القادرين على العمل، على الأقل فان هذا الجدل يخلق نوعا من التوازن مع التوظيف السلبي المستمر من قبل اليمين المتطرف لملف الهجرة.

جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى