الفنلنديون ومواسم الهجرة الى الامريكيتيين
الرحلات كانت بحثا عن حياة اقتصادية افضل لكنها بمزاج التحدي والمغامرة
بحسب ما وثقه مختصون فنلنديون فإن بدايات السفر من فنلندا الى أمريكا تعود للقرن السابع عشر حيث كانت تذهب مجموعات فنلندية وسويدية صغيرة الى شمال أمريكا آنذاك حينما كانت فنلندا تحت احتلال المملكة السويدية. في القرن الثامن عشر استمر السفر الى أمريكا من فنلندا لكنه كان مقتصرا على الشريحة التي تعمل في مجال الملاحة البحرية.
لكن موجات النزوح اخذت تتفاعل على شكل مجموعات بشرية كبيرة ابتداءا من القرن التاسع عشر. واولى الجماعات الفنلندية الكبيرة التي انتقلت من فنلندا الى أمريكا سكنت في ولاية آلاسكا.
كان السفر يتطلب استصدار جواز سفر، واستحصال تاييد المؤسسة الدينية وأيضا استصدار شهادة عدم منع من السفر. ان صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها الفنلنديون كانت تجبرهم على انتظار بطاقات سفر يرسلها لهم اقرباؤهم من أمريكا، حيث تؤكد الاحصائيات بان حوالي 30% من المهاجرين الفنلنديين الى أمريكا كانوا يسافرون ببطاقات اشتراها لهم اقرباؤهم في أمريكا.
اما الطريق الى أمريكا فكان يمر في البداية من خلال بريطانيا، ثم لاحقا عبر المانيا وفي فترات متاخرة كانت الرحلة الى أمريكا تنطلق مباشرة من مدينة تروند هيم النرويجية.
ان عوامل الهجرة كانت اقتصادية بالدرجة الأولى حيث كان المواطن الفنلندي يعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة، اضيف لها تداعيات الاحتلال الروسي ومشكلاته السياسية. ناهيك عن ثقافة الهجرة الى أمريكا التي اجتاحت معظم بلدان شمال أوروبا، اذ تؤكد الاحصائيات ان الفترة 1830ـ 1930 انتقل من بلدان الشمال في أوروبا الى شمال أمريكا حوالي مليونين ونصف المليون شخصا، بينهم نصف مليون فنلندي.
كانت الاخبار القادمة من أمريكا بتزايد فرص العمل هناك تزرع دوافع كبيرة عند الفنلنديين بالهجرة من اجل تحسين الأوضاع الاقتصادية. في تلك الفترة ونتيجة لرغبة الناس في السفر الى أمريكا وكندا شاعت مفردة “klomdyke” التي تعني الباحث في مناجم الذهب، ومفردة كلونديكه تشير الى موسم حمّى الذهب في القرن التاسع عشر حينما كان الكثير من الاوروبيين بما في ذلك الفنلنديين يشدون الرحال الى شمال القارة الامريكية بهدف التنقيب في مناجم الذهب، ومن يذهب الى هناك يوسم بالبطل والمغامر. فالرحلة كانت بحثا عن حياة افضل لكنها بمزاج المغامرة والتحدي.
استمرت مواسم النزوح الى القارة الامريكية حتى العقد الثالث للقرن العشرين. ولم يكن الفنلنديون يقصدون أمريكا وكندا فقط بل أيضا جربوا العيش والهجرة الى الارجنتين، قبل ان تدخل حمّى الانقلابات العسكرية لذلك البلد. فحينما كانت اوروبا تعيش تداعيات الحرب العالمية الاولى وانعكس ذلك سلبا على الاقتصاد. كانت امريكا الجنوبية محطة اقتصادية جيدة، لكن الوضع الاقتصادي السيء شمل تلك المنطقة وبدات الانقلابات العسكرية في الارجنتين مما جعل المهاجرين يعيشون ماساة أخرى.
بين الحين والآخر يحرص الاعلام الفنلندي على توثيق رحلات، ذكريات وقصص العديد من العائلات الفنلندية التي استقرت في القارة الامريكية بجزئيها الشمالي والجنوبي. وهذه احدى الموضوعات التي تثير اهتمام المواطن والمتابع الفنلندي، انها جمع لبعض شظايا الذاكرة الفنلندية التي تاثرت كثيرا بالسياسة، الاقتصاد والحروب في القرن التاسع عشر والنصف الأول للقرن العشرين.
قبل مدة نشرت صحيفة “إلتا صانومات” تقريرا مطوّلا عن مدينة “اولو” الامريكية وهي مدينة صغيرة تتبع ولاية ويسكونسن الامريكية. معظم سكلن مدينة اولو الامريكية فنلنديون رحلوا الى أمريكا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. تاسست تلك المدينة الصغيرة باسم اولو 1904 وكانت قرية في ذلك الوقت. المدينة التي تضم حوالي 500 شخصا سميت بمدينة اولو لان اول امين لها كان من مدينة اولو الفنلندية الواقعة شمال البلاد. حيثما ذهب الفنلنديون حرصوا على العمل والمثابرة في المهاجر التي قصدوها. وتركوا انطباعا جيدا عن اخلاصهم في العمل، وتعاملهم بود في محيطهم الذي يعيشون فيه، التفاني في العمل والصبر والمثابرة نموذج نوردي بامتياز يجيد الفنلنديون أدائه كما هو الحال مع بقية بلدان الشمال الاوروبي.
جمال الخرسان