ثقافة وفن

فنلندا بلد العمل الجماعي

كبقية بلدان الشمال الخمسة يجيد الفنلنديون بشكل مذهل الأداء في العمل الجماعي، يعملون بإخلاص وتواضع فيما بينهم، العمل في المؤسسات الفنلندية تشعرك بانك تعمل ضمن فريق منسجم، ولان النواقص والمشكلات متوقع حصولها في الأداء الجماعي فان الديناميكية والاسلوب الذي يتحلى به الفنلنديون يحكم هذا النوع من التفاصيل بحيث تتم معالجة الموضوع بسلاسة في معظم الأحوال.

هذه الثقافة المتكاملة في العمل الجماعي ليست وليدة اللحظة، انها جزء من ثقافة اجتماعية عامة، وكذلك منهج تربوي يتعلمه الطفل منذ مرحلة الحضانة، مرورا بالتعليم التمهيدي ثم التعليم الأساسي ولاحقا التعليم العالي. تجد هذه الثقافة في النشاطات المدرسية، كذلك في مراكز الشباب، وأيضا في مراحل سنية لاحقة، ويمكن ملاحظتها بشكل واضح أيضا بين سكان العمارات السكنية حينما يريدون انجاز عمل مشترك يتعلق بمحيطهم السكني. في النقابات، او منظمات المجتمع المدني.

ويمكن رصد بدايات العمل الجماعي المنظّم في التاريخ الفنلندي الحديث الى العقد السادس من القرن التاسع عشر، حيث اخذت تتشكل مجموعات بشرية بشكل عفوي بداية، ثم اخذت تنظم نفسها تدريجيا، وكانت تنشط بالأساس من اجل السيطرة على الحرائق، باعتبارها ضرورة قصوى. ثم كانت تتشكل فرق ومجموعات شبه منظمة في المكتبات العامة، خصوصا من قبل هواة الموسيقى حيث كانوا يشكلون فرق موسيقية. إضافة الى نشاط الجمعيات الأدبية التي كانت تؤدي دورا استثنائيا في تشكيل ملامح الهوية الفنلندية وجمع الموروث الفنلندي وتقديمه منجزا فنيا، ثقافيا وادبيا ناضجا، حيث كان لها دور في تفعيل العمل الجماعي. ثم لاحقا اخذ العمل الجماعي شكلا اكثر نضجا مع تشكيل نقابات العمال، واتحادات تلك النقابات.

عقود من تراكم التجارب جعل من هذا البلد، مميزا في تنسيق مؤسساته بمختلف اشكالها، ويرتكز بالأساس في نجاح تنظيم معظم فعالياته، وطبيعة الحياة اليومية فيه على إدارة جماعية ناجحة. النجاح هنا لا يعني بالضرورة عدم وجود أزمات او مشكلات لسبب او لآخر ولكن من يعملون في مؤسسات رسمية او غير رسمية فنلندية، وكذلك من يحتكّون بعامة الناس أيضا يعرفون ذلك جيدا. سواء في المعالجات السريعة والعاجلة لاي مشكلة، او حتى المعالجات الطويلة الأمد والمتاتية عن دراسة وتروّي.

تلك الثقافة والقدرة على التفاعل الإيجابي دفعت مؤسسات دولية كثيرة الى الاستعانة بالنموذج الفنلندي خصوصا والنوردي “بلدان الشمال الخمسة” عموما في الإدارة بحثا عن النزاهة والأداء المميز وإشاعة ثقافة العمل الجماعي.

جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى