مفاوضات الكوريتين مع أمريكا، لقد فعلتها هلسنكي من قبل
تزامنا مع زيارة وزير الخارجية الكوري الشمالي “ري يونغ هو” في الخامس عشر من اذار الجاري الى العاصمة السويدية ستوكهولم التي تتكفل برعاية المصالح الامريكية في كوريا الشمالية، أعلنت وسائل الاعلام الفنلندية عن توجه وفود من كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية وامريكا الى العاصمة الفنلندية هلسنكي من اجل اجراء المفاوضات بين مختلف الأطراف بهدف تقريب وجهات النظر.
واذا لم يكن ملفتا خوض المفاوضات بعد اعلان الرئيس الكوري “كيم يونغ اون” استعداده للقاء الرئيس الأمريكي ترامب فان الملفت ما أعلنته هلسنكي بان التنسيق لهذه المفاوضات بدأ منذ خريف العام 2017، أي في ذروة التلاسن في التصريحات بين أمريكا وكوريا الشمالية.
الوفود المشاركة تكونت من 18 شخصية دبلوماسية وعلمية معنية بتكنلوجيا التسليح. ستة مشاركون من كوريا الشمالية يراسهم رئيس دارئرة أمريكا في وزارة الخارجية الكورية “جوه كانغيل”. وستة مثلهم من كوريا الجنوبية إضافة الى ستة آخرين من أمريكا. المفاوضات التي جرت للفترة 19 ـ21 من شهر اذار الجاري كانت برعاية فنلندية وقد عقدت جلسات التفاوض مبنى “Königstedtin” المخصص لهذا النوع من المفاوضات والواقع في ضواحي العاصمة ليس بعيدا عن المطار.
المفاوضات كانت مجرد مرحلة أولى لتقريب وجهات النظر وكسر الحواجز في امل اجراء جولات أخرى من المفاوضات قريبا. واذا ما كان للسويد دورا مهما في الوساطة باعتبارها تمثل المصالح الامريكية في العاصمة الكورية الشمالية لكن هلسنكي تملك الخبرة الأكبر في مجال الوساطات الدولية ولها تاريخ كبير في هذا المجال.
الفنلنديون وبعد ان ذاقوا مرارة تجربة الحرب العالمية الثانية في نهاية النصف الأول للقرن العشرين حاولوا وضع أسس ومعايير جديدة لسياستهم الخارجية، عدلت فنلندا مساراتها السياسية الى اتجاهات تعبر عن رؤية سياسية ناضجة ومسؤولة الى ابعد الحدود. نشط الفنلنديون في بعثات حفظ السلام بالتنسيق مع الأمم المتحدة منذ الخميسنات وحتى الان، في حوالي 30 رقعة جغرافية من العالم. بموازاة ذلك النشاط كانت هلسنكي حريصة على أداء دور الوساطة في أزمات دولية او محلية في آسيا، أوروبا وافريقيا.
ففي عام 1975 احتضنت فنلندا قمة شهيرة استضافت من خلالها زعماء كبار بلدان العالم مثل الرئيس الامريكي “فورد”، الرئيس الفرنسي “فاليري جيسكار ديستان”، زعماء الاتحاد السوفيتي آنذاك، لينتج عن تلك القمة توقيع اتفاقيات هلسنكي التي تحولت منذ العام 1990 الى “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا- OSCE” التي يقع مقرها الرئيسي في العاصمة النمساوية فيينا.
فنلندا احتضنت أيضا جملة من القمم الاستثنائية بين زعماء الشرق والغرب، ففي التاسع من ايلول عام 1990 احتضنت هلسنكي قمة عالمية بين الرئيس الامريكي جورج بوش الاب والزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، تركّزت في معظمها على ازمة العراق والكويت. هلسنكي ايضا شهدت قمة سياسية اخرى في آذار 1997 بين الرئيس الامريكي بيل كلينتون و بين الرئيس الروسي بوريس يلتسن من اجل التفاهم على العديد من الملفات من اهمها الملف العراقي.
اضافة الى دور اهتساري الرئيس الفنلندي السابق والذي حصل على جائزة نوبل للسلام تقديرا لجهوده في هذا الاطار. حيث كان له دور في انهاء القتال باندنوسيا، وأيضا حل مشكلة كوسوفو إضافة الى استضافة فنلندا لمفاوضات السلام بين الأطراف العراقية عامي 2007 و 2008، عبر منظمة حل الازمات الدولية “CMI “.
ان هلسنكي محطة مهمة للمفاوضات والقمم الكبرى بين الخصوم، وتتكيء على تجربة ممتازة في إدارة هذا النوع من الاحداث والمناسبات.
جمال الخرسان