المترجمة “ماريا باكلا”: أولى تجاربي في الترجمة من الفنلندية للعربية رواية “بيت الفراشات السوداء” واهمها كتاب “بحرنا المشترك”
الصدفة التي قادتها الى فنلندا دفعتها الى ترجمة أكثر من ثلاثين كتابا للعربية، أحدها فاز بجائزة أفضل كتاب مترجم لعام 2012
عرفت السنوات الأخيرة نشاطا ملفتا في ميدان الترجمة الأدبية من اللغة الفنلندية الى اللغة العربية، ومن بين أهم المبدعين في هذا المجال المترجمة المغربية ماريا باكلا “Maria Pakkala” المولودة في المغرب عام 1977. والتي تحمل شهادة الماجستير في ترجمة الأدب الإنجليزي. ماريا وبعد قادتها الصدفة إلى فنلندا تعلمت اللغة الفنلندية، وقامت بترجمة أكثر من ثلاثين كتابا من بينها رواية “بيت الفراشات السوداء” للأديبة الفنلندية لينا لاندر. إضافة إلى كتاب “بحرنا المشترك” للبرفيسور الفنلندي هامين أنتيلا الذي حصل على جائزة أفضل كتاب مترجم إلى العربية لعام 2012 من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، إضافة إلى عشرات الكتب المعنية بأدب الأطفال، من أجل الاقتراب أكثر من تجربة ماريا باكلا جاء الحوار التالي:
– ما الذي قادك الى فنلندا..؟
جئت الى فنلندا عام 2002 قادني إليها جهلي بالجغرافيا، كنت أعتقد أنني متوجهة إلى بلاد تتحدث الانجليزية، لأنني اعتقدتها محاذية لإنجلترا وإيرلندا، لكنني تفاجأتُ بموقع فنلندا الجغرافي وبلغتها، حينها لم أكن أنوي البقاء أكثر من عام ثم العودة بعد ذلك، مر عام وكنت مترددة بالعودة حينها قررت تعلم اللغة ولو بشكل محدود، لكن لم تكن لدي فكرة الاستقرار بفنلندا. ثم عام 2004 ارتبطت بالزواج في فنلندا، وطلب مني زوجي البقاء لمدة عام وبعدها قد نغادر فنلندا سوية، ثم شيئا فشيئا وجدت نفسي انخرطت بالواقع الفنلندي وعملت في مجال الترجمة.
– كم كتاب ترجمتي حتى الآن..؟ وما هو اول كتاب قمتي بترجمته من الفنلندية للعربية؟
أكثر من ثلاثين كتابا ترجمت حتى الآن، أولى التجارب كانت عام 2007 مع رواية “بيت الفراشات السوداء” للأديبة الفنلندية “لينا لاندر”. كانت تجربة صعبة ومخيفة بالنسبة لي، كنت متخوفة من الوقوع من حيث لا أشعر بألغام لغوية خصوصا في لغة مثل اللغة الفنلندية، ترجمة الأدب تحتاج إلى دراية وخبرة كبيرة، ورغم أنني حاصلة على ماجستير ترجمة وسبق لي أن ترجمت كتبا عن الانجليزية إلا أن الخوض في ترجمة من الفنلندية مجازفة.
– لماذا اخترت هذه الرواية دون غيرها في بداية مشوارك بالترجمة من الفنلندية للعربية؟
أنا بالحقيقة لم اختر الرواية، كان هناك ناشر عربي من سوريا قد قرأ الرواية بالألمانية، أعجب بها، وكان يبحث بقوة عمن يترجمها من لغتها الام للعربية، وقد رشحني لتلك المهمة البروفيسور الفنلندي المختص بالدراسات الشرقية “ياكو هامين أنتيلا”، فقبلت التحدي وترجمت الرواية رغم صعوبة المهمة والقلق الذي رافق التجربة، لكنها نجحت في نهاية المطاف ولاقت أصداء جيدة جدا. عن هذه الرواية أود الإشارة إلى نقطتين من أجل توضيح الصورة:
الأولى: قبل ترجمة رواية الفراشات السوداء للعربية قام الأديب المعروف المرحوم “سحبان مروة” بترجمة رواية “حبل مانيلا” و”ملحمة الكاليفالا” من الفنلندية للعربية، لكن، ولأنه لم تتم مراعاة حقوق النشر، لا تعتبر بداية رسمية. ومن هنا يقال: إن رواية الفراشات السوداء هي الرواية الفنلندية الأولى التي ترجمت مباشرة من الفنلندية للعربية.
النقطة الثانية: لقد رافق الرواية ضجة سلبية أيضا في الإعلام الفنلندي بعد عودتنا أنا والمؤلفة من رحلة إلى سوريا، في سوريا حملنا السوريون على كفوف الراحة وقدموا لنا كل شيء، لكن الاديبة ادعت أن العرب هددوها في سوريا وأنها عاشت ظروفا صعبة هناك، وكتب الكثير عن ذلك في الإعلام الفنلندي. الملفت أن الكاتبة أرادت إثارة إعلامية عن الموضوع لأنها كانت تستعد لإصدار طبعة ثانية من الرواية في تلك الأثناء إضافة إلى فلم سينمائي كان سيعرض بعد أسابيع من رحلتنا. لذلك، فقد أرادت لفت الأنظار لها مرة أخرى، ما حصل كان بالنسبة لي صدمة. لكن تجاوزت الصعوبات وترجمت لاحقا تجارب نجحت أيضا، فكانت دافع للاستمرار.
– شاهدت لك صورة مع أمير الكويت يسلمك فيها جائزة هل من تفاصيل حول ماذا كانت الجائزة؟
قمت بترجمة كتاب “بحرنا المشترك” للبرفيسور ياكو هامين انتيلا من الفنلندية للعربية. الكتاب حصل عام 2012 على جائزة أفضل كتاب مترجم إلى العربية لعام 2012 من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. فكرة الكتاب تتحدث عن التقارب ما بين الشعوب وعن أن الكثير من المنجز الغربي له امتداد شرقي. الكتاب يهدف الى التأكيد على أننا في نهاية المطاف عائلة واحدة. كتب عن الكتاب في الاعلام العربي الكثير، وكان محل إعجاب المتابعين. وايضا من التجارب المهمة التي ترجمتها كتاب “عاشق الصحراء” للكاتب “كاي اورينبري” الذي يتحدث عن حياة الرحالة الفنلندي “جورج اوغست والين” الذي زار المنطقة العربية وكتب عنها، الكتاب ورغم أن فيه بعض الانطباعات السلبية هنا وهناك عن المنطقة العربية إلا أنه لاقى استحسان النقاد.
– ما هي أبرز العقبات التي يواجهها المترجم بين الفنلندية والعربية؟
على صعيد ايصال الكتاب وايجاد ناشر هناك صعوبات كثيرة، فنلندا ليست معروفة، وليس من السهولة اقناع الناشر بان الكتاب الفنلندي سيقدم إضافة مهمة للقارئ العربي. في العادة يطلب بعض الناشرين الترجمة بشكل مسبق ثم بعد ذلك يتخذ القرار بقبولها أم لا! أكثر الكتب المطلوبة من شمال أوروبا في العالم العربي هي كتب أدب الطفل. هذه لها حظوة خاصة، أما كتب الناشئة فتكاد تكون مرفوضة لأنها تتوقف مع مشكلات المراهقة والعلاقة بين الجنسين.
على الصعيد التقني ومهارات الترجمة هناك صعوبات أيضا، ليس هناك فوارق كثيرة بين الفنلندية المحكية والفنلندية الفصحى وهذا عكس اللغة العربية، ناهيك عن أن الفنلنديين لهم سقف كبير من الحرية بالكتابة، وهذا عكس ما موجود في العالم العربي، هناك محرمات، هناك رقابة، وقد حصل معي ذلك في كتاب “كاليفالا الأطفال”، إذ رفض من قبل الرقابة في الامارات بسبب تفاصيل لها علاقة بالجنس، لكن رفضوه بطريقة دبلوماسية. هذه التفاصيل تدفعك الى زرع رقيب بداخلك، لأنك تتجنب مسبقا ترجمة تجارب من هذا النوع. أنا شخصيا ترجمت كتب الادب والكتب الانسانية، الكتب الانسانية أسهل بكثير ولا توجد فيها محاذير كثيرة.
لكن الأمور الآن أصبحت أفضل بعض الشيء بالقياس لما سبق، بعد تجربة من العمل بدأت أتواصل مع ناشرين بعينهم لأن المعرفة المتبادلة بين الطرفين تسهّل العمل وتزرع الثقة، وتقلل دائرة المشكلات. وأيضا لدينا تعامل مهم مع دار الساقي التي تنشط في مختلف أنحاء أوروبا، قمنا بطباعة كتب فنلندية في دار الساقي وهذا مهم جدا.
– اجريت حوارا سابقا مع الاديبة الفنلندية “كاتري تابولا” وسألتها عن كتاب لها على غلافه عنوان بالعربية “نزهة الاماني” اجابت انها كتبته بالتعاون معك… هل بالإمكان الحديث عن تلك التجربة؟
نعم الكتاب من تأليف كاتري تابولا لكنها تحدثت معي بالتعاون معها في تنضيج تجربة فيها اضافة عربية، فكنت أساهم بتقديم الملاحظات حول ما تكتب اثناء كتابة الكتاب، كنا نتبادل وجهات النظر اضافة بالطبع الى الفنانة “سانّا بليتشيوني” التي تكفلت برسوم الكتابة ايضا كانت تتصور معنا الرسومات المناسبة. لقد اضفنا تجربة الطفل “سلامة” القادم من بلد عربي ما، وايضا التوابل السبعة، كانت تلك تجربة مميزة مع اديبة مثل كاتري تمتلك عقلية فذة ومميزة، وتتقبل النقد برحابة صدر.
– هل كان التعاون ورشة عمل على طريقة ماركيز بالكتابة؟
نعم بالضبط.. كنت اتحدث مع كاتري عن قناعاتي بخصوص النصوص التي تكتبها في الكتاب وهي تقوم بالتعديل واعادة صياغة القصة.
– هناك باحثون فنلنديون اقاموا في المغرب وكتبوا عنها في مطلع القرن العشرين كما هو الحال مع “ادفارد ويستر مارك”.. كيف وجدتي تلك التجربة؟
تجربة ويستر مارك مهمة جدا، كان توثيقا وعملا صعبا وعميقا، لكن ربما المغاربة الذين يعيشون وسط المغرب قادرون أكثر مني على تقييم التجربة، أنا عشت في شرق المغرب، والمغرب متنوع الاقوام والديانات، وفيه ثقافات مختلفة تماما.
– هل أنت مع الرؤية التي تقول: كلما قمت بتشريح الشرق أكثر تجد طريقك الى الاهتمام في فنلندا وبقية بلدان الغرب بشكل أكبر؟
الى حد ما اتفق مع تلك الرؤية، ربما لو انجزت عملا يتحدث عن امرأة مضطهدة في اي بلد عربي سينجح العمل، ولو انجزت عملا عن امرأة واجهت المصاعب أو أن هناك امرأة لديها مشكلات ليس ورائها الرجل الشرقي لا أعتقد أن العمل ينجح. المشكلة هي التنميط، نحن قد تم تصنيفنا بحيث أصبحت صورتنا سيئة، شخصيا خلال المحاضرات التي ألقيتها في فنلندا ألاحظ أن المتلقي مستعد أكثر لتقبّل انتقاداتي لثقافات أو سياسات البلدان العربية أكثر من استعداده لتقبّل إشاداتي بهذه الثقافات والسياسات. عادة ما أشعر أن المتلقي لا يقبل إلا الأفكار التي ترسّخ لديه فكرته المسبقة. وهذا يؤسفني.
هلسنكي- جمال الخرسان