القاص حسن بلاسم: اشتغل على المزج بين الواقع والمخيلة المتطرفة
رفضت دعوات أنظمة عربية بسبب دكتاتوريتها ومنهجي المزج بين الواقع والمخيلة المتطرفة

اعمال الكاتب والسينمائي العراقي حسن بلاسم المولود في بغداد عام 1973، حازت على العديد من الجوائز العالمية، آخرها حصول مجموعته القصصية “المسيح العراقي” على جائزة الاندبندنت للآداب الاجنبية، ذات المنجز حصل ايضا على جائزة نادي القلم الدولي، قبل ذلك حصدت مجموعته القصصية “مجنون ساحة الحرية” على سلسلة من الجوائز العالمية، وقوفا على ذلك الانجاز العراقي وللاقتراب اكثر من الكاتب حسن بلاسم جاء الحوار التالي:
– هل “لازالت الكتابة حالة متواضعة لممارسة الشعوذة” كما تقول انت؟!
الاديب بشكل عام ان حدد الهدف والرسالة مسبقا لأي منجز ينوي كتابته فإنه يحكم على العمل بالفشل، الهدف مطلوب والرسالة مطلوبة ولكنها تصوغ نفسها مع اكتمال المنجز، انها هدف لاحقا للعمل وليس سابقا عليه. وفي نهاية المطاف كل ما تكتبه من منتج ادبي سوف تكون له رسالة خاصة، هذه الشعوذة عن الحياة تكوّن هدفها الخاص بطريقة عفوية.
– حينما تكتب هل تستهدف شريحة معينة؟
لا استهدف شريحة بعينها، ولكن بلا شك حينما اكتب قصة اريد لها ان تقرا في أي مكان في العالم، هناك كتاب عراقيون بدأوا قراءات للأدب العالمي وهم في قرى عراقية نائية، فلماذا لا تقرأ القصص العراقية في امريكا اللاتينية وفي الصين على سبيل المثال؟ لماذا لا تكون ذات بعد انساني مفتوح. اكتب عن الهم الانساني حتى وان كانت الموضوعات محلية احيانا، لكن الاطار انساني عام، الهموم الانسانية تتلاقى وهناك شعوب عديدة تعرضت للعنف بما في ذلك الشعوب الاوروبية. لكن لا يهمني الاستغراق في التفاصيل، وهنا اود ان الفت النظر الى قضية مهمة اثيرت معي مرات عديدة من قبل المترجمين حينما كنت أتساءل لماذا هذا العزوف عن ترجمة الادب العربي، وهي ان الادب العربي بشكل عام والراوية العربية بشكل خاص، تحتاج للكثير من الهوامش المرافقة للترجمة وهذا ما يشتت القارئ. هناك تفاصيل غير ضرورية تربك العمل حينما يترجم، وهذه من القضايا المهمة التي يجب ان نلتفت اليها حينما نكتب، ثم ان الثيمة والرمزية متوفرة في الهم العراقي، اساسا الحدث مغري بما يكفي لذلك لا ينبغي تشتيت القارئ والمترجم بتفاصيل محلية هامشية غير مفهومة، هذا ما يؤثر على العمل بشكل سلبي، حتى بعد الترجمة مما يؤدي الى اهماله، وهناك اسباب عديدة اخرى بالطبع!
– في قصصك القصيرة تقترب من ذاتك ومن تجربتك الخاصة وتضفي عليها مزيدا من الخيال والفنتازيا هل هو اسلوب جديد هل الذاتية طاغية هنا؟
في اغلب القصص امزج بين التقريري أي الواقع والفنتازيا، ابدا القصة كأنها تقرير صحفي عن حادثة، ثم تتحول فجأة للفنتازيا، الذاتية ايضا متوفرة، ان الذاتية منعكسة في معظم اعمال الكتاب بشكل او بآخر، وبشكل عام انا اشتغل على المزج بين الواقع والمخيلة المتطرفة.
– هل اللغة سجن وقيد من قيود المبدع؟
هناك بوادر كثيرة للتغيير في العالم العربي هناك ثورات، هناك استعادة للحقوق الضائعة، ولكن ذلك التغيير يستهدف راس الهرم، من الاعلى، هذا ليس كافيا ان كنا حقا نفكر بربيع عربي نحتاج للتغيير من الاسفل، من القاعدة، من اللغة، هناك فجوة كبيرة بين اللغة العربية الفصحى وبين العامية المحكية، المواطن يفكر باللهجة العامية يعبر عن شعوره بصدق وعفوية باللهجة الشعبية ولكنه يتكلف حينما يقولبها بالفصحى.
– لكن هذه الثنائية موجودة في جميع اللغات وعند جميع الشعوب؟
نعم ولكنها صارخة وكبيرة جدا في العالم العربي، ذلك ما يؤثر سلبا على المخيلة، الكاتب احيانا يتكلف حينما يتقيد كثيرا بحواجز اللغة. لكن ذلك لا يعني ان نقفز مباشرة الى اللهجة بل لابد من التحول والانتقال التدريجي. اللهجة العراقية غنية والشعر الشعبي خير مثال على ذلك، لأنه قريب من الناس ويعبر بصدق عن المشاعر. اللغة يجب ان تتطور، لابد ان تكون مرنة اكثر لكي تكون مطواعة بيد الكاتب. لقد تحوّلت اللغة الى قيد وسجن آخر. حينما تنفجر سيارة في الشارع ردة الفعل الاولية الغاضبة صادقة جدا ويعبر عنها المواطن باللهجة العامية مشاعره حينها صادقة جدا. موضوع تجديد اللغة العربية بحاجة الى جهد كبير. لا توجد هناك محاولات جادة كثيرة في الادب العربي المعاصر لتجديد اللغة العربية. وهذا الموضوع بحاجة الى بحوث ودراسات، لا يمكن اختزال الحديث عنه في حوار عابر.
– من اين تأتّى ذلك الشغف بالسينما والادب ما الذي جذبك الى الجمع بين هذين الفنين؟
التعلق بالأدب والكتابة حلم رافقني منذ الطفولة، اريد ان اكتب اريد ان اكون شيئا ما في يوم من الايام من خلال الكتابة، سالت احد الاصدقاء كيف اكون كاتبا من اين ابدأ؟ نصحني بداية بكتب اللغة والقراءة، لم اتفاعل كثيرا معه رغم اني قارئ جيد، فنصحني مرة اخرى بدراسة السينما، ورغم صعوبة ذلك المجال استطعت ان ادرس وامارس ذلك المجال، وكان لما قمت به آنذاك صدى طيبا مع وجود الحصار وصعوبة توفر الادوات. الفنان قريبان جدا من بعضهما، انا اكتب الافلام واخرجها، واكتب القصة ايضا، ثم انني لا اريد الارتباط فقط بمجال واحد اشعر بشيء من الملل، المناورة بين الجانبين توفر لي فرصة تغيير الاجواء، ومحاولة ابتكار طريقة جديدة للتعبير.
– هناك من يقول ان الغرب مفتون بالمنتج الذي يشرّح الشرق والمجتمعات الشرقية وهذا ما يدفعهم للاهتمام المفرط بالأعمال التي تصب في هذا الاتجاه وربما منها اعمالك؟
هناك احزاب يمين تدعم ما جاء في سؤالك لكن هؤلاء لهم مساحة ضيقة جدا في الغرب، والاعمال التي يدعمونها لا تأخذ بعدا عالميا، حينما يقارن منتجك مع اعمال “بورخس”، “كافكا” و”دستوفسكي” يتحول منتجك الى منتج عالمي، هنا منتجك يتجاوز فكرة التشريح وتوظيفات اليمين فقط. حينما تكتب صحيفة “الغارديان” بأن حسن بلاسم و”أليس مونرو” الحائزة على جائزة نوبل للآداب لهما اسلوب خاص ساهم بإحياء القصة القصيرة، هنا يتجاوز المنتج مسألة التشريح للمجتمع الشرقي. ناهيك عن انّي شخصيا لا اريد ان اسوّق على اني ضحية. وطموحي اكبر من الانتشار في اوربا فحسب!
– رحلتك الطويلة في المنفى والظروف الصعبة التي مررت بها هل لها اثر في منجزك ووصوله الى العالمية؟
رحلة المنفى طويلة جدا، وصعبة استمرت اربع سنوات وعشت ظروف قاسية وفقدت في احد المطاعم بعض اصابعي، من كردستان، الى ايران، تركيا، بلغاريا، سجون في اوروبا الشرقية وتفاصيل كثيرة لها اثر كبير جدا في حياتي، كانت تجربة مؤلمة قاسية ولكنها علمتني الكثير، تعلمت كيف لي ان اطرح الهم العراقي وغير العراقي بطابع انساني عام وهناك ثيمات انسانية مشتركة. الرحلة كانت بمثابة المختبر بالنسبة لي. تعلمت التواضع بسبب كل هذا الالم والعذاب في العالم. التواضع هو شكل من اشكال الحب.
– مجموعتك القصصية “المسيح العراقي” حصلت مؤخرا على جائزة الاندبندنت للآداب الاجنبية، وفازت عام 2012 بجائزة نادي القلم الدولي، المثير ان تلك المجموعة نشرت مترجمة الى الانجليزية قبل ان تنشر باللغة العربية؟
انا اكتب باللغة العربية، وتترجم اعمالي الى لغات اخرى، هذه المجموعة لم تنشر منها الا ثلاث قصص فقط، المجموعة بشكل كامل غير منشورة باللغة العربية، ولم ابادر الى نشرها تلافيا لما واجهته من احباط في مجموعة سابقة وهي مجموعة “مجنون ساحة الحرية” حيث نشرت بداية مترجمة الى الانجليزية ثم لاحقا نشرت بالعربية، ارسلت المجموعة الى ست دور نشر، الجمل، الساقي، الشروق وغيرها هناك من اعتذر، وهناك من صمت ولم يرسل رد اصلا، لأسباب مختلفة رفض الجميع نشرها ، احدى دور النشر طلبت مال مقابل النشر، حصلت على دعم ودفعت لهم ما ارادوا، ولكن تعرض الكتاب للرقابة وطلبوا مني حذف الكثير مما جاء في المتن، ثم منع الكتاب في بعض الدول العربية، في الاردن مثلا منع الكتاب، وهناك 300 نسخة حائرة هناك، لا استطيع الحصول عليها لان المنع ساري حتى على شحن الكتاب ايضا. التجربة كانت بائسة وغير مشجعة، هناك دور نشر اجنبية ارسلت لي عقودا من اجل توقيعها لأعمال لم انجزها بعد بناءا على النجاحات السابقة، ولكن في العالم العربي ليس ثمة شيء من هذا القبيل على الاطلاق! الغريب جدا ان دور النشر العربية زهدت حتى بمصالحها الخاصة، لأنها لو تبنت كتبي قبل ان تنشر من قبل أي دار نشر اخرى، فإنها سوف تحصل على جزء من ارباح الاعمال المترجمة، ودور النشر الاخرى ستكون ملزمة بمفاتحتهم حول أي ترجمة لأي لغة اخرى! وهناك بعض المجموعات القصصية ترجمت الى 6 لغات وهناك حديث مع 6 دور نشر اخرى . هذه الظروف جعلتني افكر بنشر الكتاب الكترونيا باللغة العربية واوزعه بشكل مجاني.
– ارسلت لك دعوة من مهرجان ابو ظبي ورفضت متى تلبي دعوة من هذا النوع؟
جاءتني دعوات كثيرة من قبل جهات خليجية فرفضت، هناك غضب عربي من سياسات الحكومات الخليجية لكن تلك النخبة الممتعضة جدا تهرول لتلبية اي دعوة من قبل تلك الحكومات، هذا تناقض غريب، الكاتب يجب ان يتحلى بالنزاهة، ويتحمل المسؤولية، في الغرب لا يوجد كاتب يتسلم جائزة من يد دكتاتور، الكاتب يبحث عن الحالة المثالية، عن التكامل، في بلدان الخليج هناك قمع صارخ، على صعيد حرية التعبير وحقوق الانسان. لكن مثلا لو جاءتني دعوة من لبنان لماذا لا البي تلك الدعوة؟! حينما اشعر اني سأكون حر فيما اريد قوله البي الدعوة.
تامبيرا- جمال الخرسان