“معاهدة السماء المفتوحة” هكذا تطمئن الدول نظيراتها

في سياق تنشيط العلاقات الدولية بين بلدان العالم المتعقل، تقوم الدول بسلسلة من الخطوات ذات الطابع الدبلوماسي البحت، او الدبلوماسي بنكهة عسكرية امنية. في هذا السياق عقدت عشرات بل مئات الاتفاقيات الثنائية، او اتفاقيات في اطار خيمة دولية تضم عصبة من الاعضاء. احدى اغرب تلك الاتفاقيات واكثرها اثارة هي اتفاقية السماء المفتوحة، التي عقدت في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 1992 بحضور سبعة وعشرين بلدا، ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني عام 2002.
تسمح هذه الاتفاقية لكل من البلدان الاعضاء بتسيير رحلات جوية لطائرات تحمل كاميرات دقيقة بمواصفات معينة وفي مسارات يتم الاتفاق عليها قبل 24 ساعة من تنفيذ المهمة، وذلك من اجل توفير مزيد من الشفافية بين البلدان المنضوية في اطار هذه الاتفاقية، والتي وصل عددها الى اكثر من ثلاثين دولة حتى الان، من ابرزها: الولايات المتحدة الامريكية، روسيا، اسبانيا، تركيا، السويد، النروج، الدانمارك، جمهوريات البلطيق، المانيا ومعظم بلدان اوروبا الشرقية.
هذه الاتفاقية وفرت مئات الطلعات الجوية الاستطلاعية، فوق العديد من بلدان المجموعة، بما في ذلك روسيا، الولايات المتحدة الامريكية، معظم بلدان اوروبا، ورغم المنافسة الشرسة على المستوى العسكري بين كبار هذا العالم الا ان البعد الدبلوماسي والمصالح المتبادلة دفعتهم الى التوقيع على هذه الاتفاقية من اجل تطمين البلدان وخصوصا البلدان الصغيرة. ربما تكون تلك الاتفاقية ذات بعد امني استراتيجي مجدي ومثمر جدا، وربما لها اطار شكلي وجدوى محدودة، لكن في المحصلة النهائية فإن الخطوة بحد ذاتها توفر تطمينات واجواء مطلوبة من الشفافية لكل عضو من اعضاء هذه الاتفاقية. ان اكثر البلدان التي تشعر بالحاجة الى اتفاقيات من هذا القبيل هي البلدان التي تقع على خطوط التماس بين المعسكرين الشرقي والغربي، وبالذات بلدان اوروبا الغربية، التي تحرص على عدم استفزاز الدب الروسي، وتتطلع ايضا على تعامل بالمثل من قبل روسيا. مؤخرا اجريت العديد من الطلعات الجوية المتبادلة في اجواء تلك المنطقة، من اجل تحقيق الاهداف التي دعت الاخرين للتوقيع على الاتفاقية.
في منطقة على غرار منطقة الشرق الاوسط، توسم عادة بانها منطقة الدخان، ووسط هذه الاجواء المشحونة بامتياز، والمحتقنة الى ابعد الحدود، هل يمكن ان تكون خطوة على غرار اتفاقية السماء المفتوحة، متنفسا لشيء من هذا الاحتقان، ومحاولة لترطيب الاجواء وتبريد هذا الغليان، او على الاقل الحد من تداعياته الكارثية؟! منذ مدة طويلة لم نشهد مبادرات جادة لتهدئة الاوضاع في المنطقة وكل ما جرى طيلة العقد الاخير ما هو الا مزيد من التصعيد، من هنا نحن بأمس الحاجة الى عمل دبلوماسي هادف، لكن الفجوة الكبيرة بين بلدان المنطقة لا تتعاطى مع مقترحات من هذا القبيل الا باعتبارها خطوة مستفزة تهدد الامن القومي!
جمال الخرسان