على شرف الميثولوجيا الفنلندية
الليالي القطبية القاسية وشتاءاتها الطويلة تدفع الفنلنديين كبارا وصغارا الى البحث عن الدفيء، وتبادل اطراف الحديث قرب المدافيء… وكانت فاكهة تلك الجلسات حكايا واساطير الأجداد والجدات، ومحفوظاتهم الشفوية المسلية.
قبل ان تغزو التكنلوجيا البلاد ويزيد سقف الرفاهية كان لفنلندا خصوصا ولمجمل منطقة شبه الجزيرة الاسكندنافية عموما تجربة مثيرة في انتاج الحكايا والاساطير، مثلت بالنسبة فيما بعد ميثولوجيا وموروثا ادبيا غزيرا، استوحيت منه ملامح إبداعية هائلة في مختلف مجالات الحياة خصوصا في بداية تشكل الهوية الفنلندية في القرن الثامن عشر ومطلع القرن العشرين. بل لازال حتى هذه اللحظة هناك من يغذي خياله بالاتكاء على شيء من ذلك الماضي المتنوع، في مجالات الفنون العمرانية، التشكيل والرسم، الموسيقى والاعمال الأدبية بشكل عام.
ادب الاساطير والحكايا اغنى انتاج البلدان الشمالية في مجال ادب الأطفال، فبرزت اعمال أدبية ممتازة وبرزت أسماء مهمة على هذا الصعيد.
ان خوف الفنلنديين على هويتهم من الاحتلالين السويدي والروسي إضافة الى محاولتهم انماء الهوية الفنلندية وتنضيجها دفعهم للاهتمام بافراط في موروثهم القديم، جمعوه بشغف وقدموه في قوالب فنية مميزة، ولذلك اصبح لديهم ارشيف موثولوجي هائل.
ورغم ان اساطير المنطقة الشمالية تكاد تتشابه في الكثير منها الان ذلك الشبه لا يعني عدم وجود وجوه للتمايز حتى في ذلك المنتج المتشابه، اذ يترك المكان والبيئة اثرهما وشكلهما في ذلك الموروث.
في ثنايا الموروث الفنلندي اساطير وميثولوجيا تستمد وجودها من مرحلة الوثنية في الالفية الأولى للميلاد قبل ان تتحول فنلندا الى المسيحية بتاثير من الجارة السويد، وهناك موروث يستمد رمزيته وقوته من الالفية الثانية للميلاد والتاثير الواضح للبعد الديني فيه، وهناك حكايا وقصص تتلاقى فيها المرحلتان مع مزيج الذائقة الاجتماعية بين منطقة وأخرى.
من بين الأسماء المهمة التي تناولت الموروث الفنلندي الناقد الفنلندي الشهير Lauri Simonsuuri الذي الف كتابا عن الاساطير الفنلندية عام 1947 تحت عنوان ” Myytillisiä tarinoita” وترجم عام 2004 للعربية تحت عنوان “اساطير من الموروثات الشعبية الفنلندية”، وقبل ذلك محاولة الياس لونرت كتابة ما جمعه من حكايا في القرن الثامن عشر في ملحمة شعرية باسم “كاليفالا”، التي ترجمت لخمسين لغة من بينها العربية. وتقديرا لتاثيرها في مجمل الثقافة الفنلندية يحتفى بها سنويا يوم 28 شباط منذ العام 1920. إضافة الى العديد من الاعمال المهمة في هذا المجال.
جمال الخرسان