حوض “بيرنو” في مدينة توركو الفنلندية قصة نجاح مثيرة لاشهر حوض لصناعة السفن في العالم
ان معظم بلدان القطب الشمالي هي بلدان صناعية تمتلك اقتصاديات قوية، وفنلندا ليست استثناءا من تلك القاعدة، فهي بلد صناعي بامتياز لكنه معروف بشكل خاص في صناعة السفن التي تعتبر مهنة تاريخية ومجال عريق في هذا البلد يمتد لمئات السنين، حينما كانت هذه الرقعة الجغرافية تحت سيطرة الفايكينغ المهرة جدا في صناعة السفن.
في الجنوب الفنلندي المطل على بحر البلطيق انتشرت المسافن واحواض صناعة السفن خصوصا في المدن الساحلية الفنلندية مثل مدينة “توركو” العاصمة الفنلندية السابقة، مدينة “هلسنكي” العاصمة الحالية والمدن الساحلية الاخرى.
ومن اشهر تلك الاحواض المهمة هو حوض ومسفن “Pernon telakka” الواقع في مدينة توركو جنوب غرب فنلندا. ففي ذلك الحوض بنيت بنيت معظم سفن الركاب الكبيرة العاملة بين فنلندا والبلدان المجاورة كما بنيت هناك ايضا معظم سفن الركاب العملاقة في العالم.. ومن اهمها: “سفينة حرية البحار-M/S Freedom of the Seas” التي انتهى العمل بها منتصف العام 2006، “سفينة حرية البحار- M/S Liberty of the Seas اكتملت عام 2007، “سفينة مستقلة البحار- M/S Independence of the Seas” والتي سلّمت للشركة المالكة عام 2008. ثم “سفينة واحة البحار -M/S Oasis of the Seas” والتي اكتمل بناؤها في العام 2009. اضافة الى “سفينة جاذبية البحار – M/S Allure of the Seas” التي اكتمل بناؤها في العام 2010 وهي اكبر من جميع السفن السابقة. ان جميع السفن المشار اليها صنعت لصالح مجموعة “رويال كاريبين إنترناشيونال – Royal Caribbean International”. وقد بدأ مسفن بيرنو التعامل مع شركة رويال العملاقة ابتداءا من العام 1998، من اجل صنع باخرة مسافرة البحار التي كانت في حينها اكبر واضخم باخرة نقل ركاب في العالم. القائمون على ذلك حوض بيرنو سبق لهم ايضا في الثمانينات من القرن الماضي التعامل مع الشركة الامريكية المنافسة لشركة رويال وهي “Carnival Cruise Lines -CCL” الشهيرة في مجال تسييّر رحلات بحرية سياحية.
ذات الحوض الذي بنيت فيه معظم البواخر الضخمة في منطقة البلطيق والعالم انجز ايضا في مدينة توركو اليخت الفاخر لصدام حسين المسمى بـ”المنصور” والذي اكتمل بناؤه عام 1982. وسلم للعراق في آذار عام 1983. وكان في حينها نقلة نوعية في صناعة هذا النوع من اليخوت الفارهة. اليخت المذكور انتهى به المطاف غريقا في مياه شط العرب بعد ان امطره الامريكان بجملة من الصواريخ.
نظرة تاريخية
اهتمت شركة وارتسيلا بالصناعات البحرية وتوسعت الى حدود كبيرة جدا في الستينات من القرن الماضي وكانت الشركة تمتلك حوضا قديما واقع على نهر اورا في توركو تاسس 1924 اسمه منذ العام 1965 حوض وارتسيلا في توركو، لكن ذلك الحوض يزاحم المدينة ويؤثر على البيئة فأوقف العمل به وتحوّلت الشركة منذ العام 1977 الى العمل في حوض احدث واكبر هو “حوض وارتسيلا في بيرنو- Wärtsilä Pernon Telakka (WPT)”. الحوض الجديد بني في شواطيء منطقة اريسيو التابعة لمدينة توركو وكان الغرض منه استيعاب مهام اكبر واوسع من اجل صناعة السفن العملاقة وسفن الشحن، وكانت باكورة اعماله بناء ناقلة نفط يابانية Gas Rising Sun (NB 1229.
وبسبب الازمة الاقتصادية الكبيرة التي حصلت في فنلندا فترة نهاية الثمانينات وبداية العقد التسعيني واجهت شركة وارتسيلا مكشلات اقتصادية كبيرة فافلست مما اضطرها للتخلي عن ملكية الحوض واعادة هيكيلة الشركة ثم التفرّغ للعمل في مجال الطاقة فقط.
بعد افلاس شركة وارتسيلا للصناعات البحرية تخلت الشركة عن الحوض لصالح شركة جديدة “Masa Yards” اسست من قبل الحكومة الفنلندية، وتابعت تلك الشركة ادارة الحوض وممتلكات شركة وارتسلا للصناعات البحرية.
وقد تابعت تجهيز سفينة M/S Silja Serenade التي تم الاتفاق على صناعتها بين شركة وارتسيلا وشركة النقل الفنلندية Effoa ولكن بعد افلاس وارتسيلا اصبحت سفينة “السيليا” اول ثمار الشركة الجديدة ماسا. اكتمل بناء الباخرة في تشرين الثاني عام 1990 لتكون في حينها اكبر سفينة ركاب في فنلندا. في العام 1991 اشترت مجموعة Kvaerner النرويجية شركة Masa Yards التي تكفلت بادارة حوض بيرنو وغيّرت اسم الشركة الى Kvaerner Masa-Yards. في العام 1998 بيع الحوض بالاضافة الى احواض فنلندية اخرى الى مجموعة “آكر” واصبح اسم الشركة التي تسيّر تلك الاحواض هي شركة “Aker Finnyards”. وفي العام 2004 اتّحدت شركات كبيرتان هما Kvaerner Masa-Yards و شركة Aker Finnyards وادارتا الحوض سوية تحت مسمى Aker Yards. لكن حوض بيرنو ومنذ العام 2008 تحوّل لادارة شركة STX Finland ، التي هي ذراع لمجموعة “STX Corporation” الكورية الجنوبية العملاقة المعنية بالشحن وصناعة السفن والتي تمتلك 15 حوضا لصناعة السفن في فنلندا، السويد، النروج فرنسا فيتنام رومانيا والبرازيل.
الحوض يزدهر مرة اخرى
ورغم مرور بعض السنوات التي قد تشهد تراجعا في الطلب على صناعة السفن الا ان حوض بيرنو وفي معظم المراحل التاريخية التي مرت عليه كان يقوم باعمال جبارة، ويدأب على تقديم الافضل، وفي الاوقات التي تشهد ذروة في الطلبات يسد العجز الحاصل في مراحل الشحة. لقد شهد الحوض نهضة اقتصادية كبيرة جدا وزخم في الطلبات على صناعة السفن منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي وحتى هذه اللحظة. فمنذ ذلك التاريخ تلقى الحوض عشرات الطلبات من اجل صنع سفن نقل الركاب بمواصفات مختلفة وبالاضافة الى ذلك يتلقى الحوض طلبات من اجل صناعة ناقلات الغاز كما هو الحال مع الطلبات التي تقدمت بها الامارات العربية المتحدة من اجل صناعة اربعة ناقلات غاز. وفي تلك الفترة ايضا بدأ التعامل الجاد بين الشركات التي تدير الحوض وبين مجموعة رويال الكاريبي العملاقة من اجل صنع سلسلة من بواخر نقل الركاب الاضخم في العالم، بالاضافة الى التعاون مع شركة Color Linelle النرويجية.
حوض بيرنون طالما استمر في النشاط الاقتصادي هذا يعني توفير الالاف من فرص العمل، مضافا الى ذلك انه ينشط ويمنح الشركات الفنلندية الاخرى مزيدا من الفرص التجارية المؤاتية.. فشركة وارتسيلا مثلا التي تخلت عن الحوض لاسباب مالية لم تبتعد عنه تماما بل كلما نشط العمل في حوض بيرنو زاد النشاط الاقتصادي في وارتسيلا باعتبارها الشركة المجهزة لمعظم الباخرات التي تصنع هناك بمحركات الطاقة العملاقة. ومما يجدر الاشارة له ان شركة وارتسيلا نفذت مشاريع مهمة على صعيد الكهرباء في العراق.
توركو- جمال الخرسان