سياسة

“مجلس بلدان القطب الشمالي” تأسّس عام 1996 في مدينة “اوتاوا” الكندية

بهدف تنظيم نشاطات بلدان الدائرة القطبية في منطقة لا زالت مثارا للجدل في حسابات المشرّع الدولي

 

 

 

في العقود الاخيرة بدت منطقة القطب الشمالي محطا للأنظار من قبل العديد من بلدان العالم سواء تلك التي تطل على القطب او تقع ضمن الدائرة القطبية او حتى البعيدة تماما كما هو الحال مع الصين. وبعد اكتشاف مزيد من احتياطات ثروات الطاقة هناك حيث تقدر الثروة النفطية بحوالي تسعين مليار برميل، اما الثروة الغازية فتقدر بحوالي خمسين مليار متر مكعب وهو ما يوازي ثلث حجم الاحتياط العالمي، بالإضافة الى زيادة استخدام الممرات الملاحية خصوصا في فصل الصيف لذلك اخذ الاهتمام الدولي يتزايد بشكل ملحوظ في منطقة القطب الشمالي، ومن اجل تنظيم ذلك السباق المحموم حول الدائرة القطبية، ومعالجة الانعكاسات السلبية حول البيئة اسّس مجلس بلدان القطب الشمالي “Arctic Council” عام 1996 في مدينة “اوتاوا” الكندية، بعضوية: الولايات المتحدة الامريكية، كندا، روسيا، فنلندا، ايسلندا، النروج، السويد، والدنمارك التي لا تعتبر بالأساس من بلدان الدائرة القطبية لكنها دولة قطبية من خلال الجزر الخاضعة للتاج الدنماركي مثل غرينلاند وجزر فارو.

المقر الرئيسي للمجلس يقع في مدينة “ترومسو” بشمال النروج، اما رئاسة ذلك المجلس فتستمر لسنتين يتولاها احد الاعضاء بشكل دوري.

المجلس اتكأ في جزء من تجربته على برنامج القطب الشمالي للرصد والتقييم “AMAP” الذي بدأ منذ العام 1991 والذي انجز من قبل الدول الثمانية الواقعة في الدائرة القطبية، يرصد ذلك البرنامج مستويات وآثار بعض الملوثات البشرية المحددة على البيئة في منطقة القطب الشمالي، حيث ساهم ذلك البرنامج في تنظيم النشاطات البحثية العلمية بين اعضاء الدائرة القطبية مجتمعة وتهيئة اجواء التعاون حول مشكلات الدائرة القطبية، وكان خطوة مهمة في طريق تأسيس هذا المجلس، اذ عقد اول اجتماع وزاري بين البلدان القطبية حينها في مدينة “روفا نيمي” شمال فنلندا.

في اطار تقريب المواقف التي اسهم فيها مجلس بلدان القطب الشمالي وقّعت في الخامس من ايلول عام 2010 اتفاقية ثنائية بين روسيا والنروج تم بموجبها ترسيم الحدود بين الجانبين في بحر “بارنتس” والمحيط المتجمد الشمالي. البلدان وضعا حدا لخلاف حول الحدود البحرية استمر اربعة عقود.

ورغم تعدد وتشعب الخلافات الحدودية لحق البلدان الاعضاء في تلك المنطقة الا ان هذا لم يمنع من توقيع اتفاقية تنظيم “عمليات البحث والإنقاذ” في حال فقدان طائرة أو تعرض أي شخص أو وسيلة نقل في القطب الشمالي، الاتفاق الذي وقع بجزيرة “غرينلاند” في ايار من عام 2011 يقسّم القطب الشمالي إلى ثمانية مناطق بأشكال مضلّعة، يتولى مسؤولية ادارة كل من تلك المناطق احدى الدول الثماني. تلك الاتفاقية تعد الاتفاقية الملزمة الاولى بين اعضاء ذلك المجلس. تلتها لاحقا اتفاقية الاستعداد والاستجابة لمواجهة التلوث النفطي البحري في حال حدوث كارثة نفطية في القطب الشمالي، التي وقعت بين الدول الاعضاء في الاجتماع الوزاري الثامن الذي عقدته بلدان المجلس يومي 14-15 ايار 2013 في مدينة “كيرونا” السويدية.

 

لكن تلك المعطيات الايجابية التي وفرها المجلس لا يعني نهاية الخلافات الحدودية في القطب الشمالي بين اعضاء الدائرة القطبية، هناك خلاف امريكي روسي، كندي دانماركي، وكذلك كندي امريكي، ومع ان هناك اتفاقية دولية تضبط ايقاع الحراك الدولي في تلك المنطقة وهي اتفاقية حقوق الملكية في الجرف القاري، الصادرة عن الامم المتحدة العام 1982، الا ان تلك الاتفاقية لا يمكن لها حل جميع الازمات لأسباب مختلفة.

وكما يضم مجلس بلدان القطب الشمالي ثمانية اعضاء يضم ايضا مجموعة من البلدان الاخرى تشارك بصفة مراقب منها الصين، المانيا، هولندا، الهند، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، وسنغافورة. اما بالنسبة للصين فقد حثّت الخطى وبشكل ملفت من اجل ان يكون لها حضور في ذلك المجلس بشكل او باخر مع وجود العديد من المنافسين مثل كوريا الجنوبية، الصين لم تكتف بحضور تلك المنظومة الدولية بل ايضا حرصت على اقامة علاقة استثنائية مع دولة قطبية صغيرة مثل ايسلندا، وفتحت هناك اكبر سفارة في البلاد. الصينيون يعتقدون ان لهم حق في تلك الرقعة الجغرافية هم خمس سكان العالم ولابد ان تكون لهم حصة من تلك الثروات خصوصا وان بعض اجزاء القطب الشمالي ليست جميعها ضمن الحدود الإقليمية للبلدان المشاطئة لهذا المحيط.

وبالمجمل العام فان تجربة مجلس بلدان الدائرة القطبية وبعد مرور قرابة العقدين من الزمن على تأسيسه كانت تجربة ناجحة الى حد ما، لقد استطاع المجلس ان ينظم العلاقة بين البلدان الكبيرة والصغيرة التي تطوّق الدائرة القطبية، وينظّم نشاطاتها في منطقة لا زالت مثارا للجدل في حسابات المشرّع الدولي.

جمال الخرسان

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى