مهرجان الشباب العالمي في هلسنكي نشاط ثقافي وفني على شرف الحرب الباردة
للفترة بين من 27 تموز الى 6 آب عام 1962 احتضنت العاصمة الفنلندية هلسنكي احدى اكثر الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية في تاريخها من حيث الحضور والمشاركة وهو مهرجان الطلاب والشبيبة في دورته الثامنة التي حملت شعار “من اجل الصداقة والسلام”.
شارك في المهرجان قرابة عشرات الالاف من الشباب أتوا من 137 بلدا بينهم بلدان عربية عديدة مثل: العراق، لبنان، مصر، الجزائر وبلدان اخرى، وقد مثّل العراق حينها مجموعة من الطلاب العراقيين الذين كانوا في بلدان اوروبية ضمن بعثات دراسية بينهم على سبيل المثال الكاتب “سامي مدالو” الذي شارك في المهرجان قادما من المانيا ضمن وفد الشبيبة الديمقراطية العراقية.
اهداف المهرجان المعلنة نبيلة جدا، حيث تولدت فكرة المهرجان من اجل معالجة تداعيات الحرب العالمية الثانية، الشباب الطاقة الفاعلة في كل مجتمع والتي تشكل نصف حاضره وتمام مستقبله يساهمون من مختلف البلدان بفعاليات مختلفة يعيشون هما انسانيا واحدا وبهذا الدافع اقيمت اول دورة للمهرجان عام 1948 في براغ. وتلتها الدورات اللاحقة في بلدان اخرى.
لكن اهداف المهرجان المعلنة وما يتحقق فيه من اجواء انسانية جميلة ليست كافية لعدم التشكيك بدوافع المهرجان سواء في دورته بهلسنكي او حتى فكرة المهرجان اساسا، ومع ان الجهة المنظمة للمهرجان هي اتحاد الشباب العالمي بالتعاون مع منظمات اخرى لكن ينظر اليه كثير من المتابعين من زاوية كونه اداة سوفيتية وظفت الفن، الرياضة والثقافة في خدمة الحرب الباردة وصراع النفوذ.
خصوصا وان المهرجان كان يقام في البلدان الاشتراكية او بلدان اوروبا الشرقية. ورغم ان هلسنكي ليست من بلدان الكتلة الشيوعية الا ان الاتحاد السوفيتي كان دائما ينظر اليها بعين الطامع فيها والباحث عن توسيع نفوذه هناك. ثم ناهيك عن ذلك فإن اكبر الوفود المشاركة غير الدولة المنظمة هو الاتحاد السوفيتي الذي قدم وفده في باخرة كبيرة كانت تضم عددا كبيرا من المشاركين، وتوجت مشاركة ودعم الاتحاد السوفيتي بالمهرجان في حضور ضيف شرف المهرجان رائد الفضائي الروسي الشهير “وري غاغارين” الذي قاد اول رحلة الى الفضاء الخارجي عام 1961.
ولان العديد من البلدان ومن بينها امريكا تتعاطى مع المهرجان باعتباره محطة نفوذ ودعاية سوفيتية طلبت امريكا من الحكومة الفنلندية عدم استضافة المهرجان لكن الجانب الفنلندي لم يستجب لذلك الطلب، المناهضون للمهرجان شكلوا ضده في فنلندا جبهة عريضة من قوى سياسية، منظمات يمينية وكذلك عصبة من اصحاب المال والاعمال بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية اقاموا بالتزامن مع المهرجان فعاليات ثقافية، رياضية وفنية كبيرة بهدف التأثير سلبا على المهرجان وفقا لما جاء في وسائل الاعلام الفنلندية.
ان التحريض المباشر ضد المهرجان دفع بعض الشباب اليمينيين الى الخروج بمظاهرات والقيام باحتجاجات عنيفة ضد المهرجان مما دفع الشرطة الفنلندية لاستخدم الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين وهي المرة الاولى التي يستخدم فيها الغاز المسيل للدموع في تاريخ فنلندا.
تلك الاجواء المشحونة من صراع محموم بين اطراف الحرب الباردة في فنلندا وفي بلدان البلطيق عموما، تعود هذه الايام مرة اخرى وبشكل تدريجي بعد تصاعد حمّى المناورات المتبادلة في منطقة البلطيق، والاستفزازات شبه اليومية بين قطعات تعود للجانب الروسي وبين قطعات بحرية وجوية اخرى تعود لحلف الناتو. ما يجري في اوكرانيا، الدرع الصاروخية وما يجري في الشرق الاوسط اعطى دفعة كبيرة للصراع بين المعسكرين التقليديين في هذا العالم.
جمال الخرسان
ـــــــــــــ
الصورة عن وسائل الاعلام الفنلندية