اقتصاد

عملاق شركات البناء YIT””  تاريخ من النجاح في مناطق مختلفة من العالم وكربلاء محطتها الاولى في الشرق الاوسط

 

بعد ان كان نشاطها مقتصرا على شمال اوروبا في النصف الاول من القرن العشرين انتقلت الشركة الفنلندية العملاقة “YIT” الى العمل في الشرق الاوسط وذلك من خلال اولى مشاريعها التي نفذتها في مدينة كربلاء المقدسة في العقد الخامس من القرن الماضي، حيث افتتح عام 1958.

ايضا في العراق وفي اطار مجموعة “Finnconsult Consulting Engineers” التي ضمت شركات فنلندية من اهمها “YIT” و”PEKKA-VESI”، دخلت شركة “YIT” في مناقصة تصميم وبناء جزيرة بغداد السياحية عام 1979 وفازت تلك المجموعة التي اجتمعت من اجل ذلك المشروع بالصفقة لتساهم في بناء احد اهم المشاريع السياحية في بغداد آنذاك. إذ تعد تلك الجزيرة حينما اكتمل بناؤها في العام 1982 اكبر مدينة سياحية ترفيهية متعددة الأغراض في العراق. ومن الملفت جدا في سياق الحديث عن مشروع جزيرة بغداد السياحية ان تلك المجموعة حينما غادرت موقع العمل تركت ورائها عشرات الكرفانات مع بعض الخدمات التي جهّزت للعاملين في الشركة، امانة بغداد وزعت تلك على بعض المنتسبين فتشكلت قرية صغيرة هناك وعاشت فيها عشرات العوائل لأكثر من ثلاثين عاما وسميت القرية حينها بـ”القرية الفنلندية” التي ترددت لاحقا في وسائل الاعلام حينما احتج الاهالي على قرار ترحيلهم من هناك.

ومن المشاريع المثيرة للجدل التي نفذتها شركة “YIT” سلسلة من الملاجئ، اشهرها ملجأ “العامرية، ملجأ الفردوس، ملجأ رقم 25” فجميع تلك الاسماء تشير لمسمّى واحد، الملجأ الشديد التحصين ضد الاسلحة غير التقليدية والمجهز بكل ما يلزم، الواقع في حي العامرية ببغداد بني في الثمانينات كي يكون احد الملاجئ الخاصة جدا، لذلك تعرّض الملجأ في الثالث عشر من شباط عام 1991 الى ضربة جوية من قبل الطيران الامريكي وبصواريخ معدة مسبقا لهذا الغرض. على خلفية تلك الضربة وجّهت اصابع الاتهامات الى الشركة المذكورة لأنها تكفلت بالتصميم وتمتلك خرائط الملجأ وقد اشيع في الاعلام حينها ان الشركة سرّبت خرائط الملجأ الى الولايات المتحدة الامريكية. واضافة الى ما تقدم لها الكثير من المشاريع في العراق قبل ان تنشط في بقية بلدان الشرق الاوسط وخصوصا السوق الخليجية، حيث ارست ركائزها هناك ولا زالت حتى الان تنجز المشاريع الكبرى في المنطقة.

تعد شركة “YIT” التي يعود تأسيسها الى العام 1912 من الشركات الفنلندية العابرة للحدود. انها الشركة الاكبر في فنلندا في مجال البناء والعمران، والشركة الاجنبية الاكبر في روسيا على ذات الصعيد. يصل عدد العاملين فيها الى اكثر من خمسة وعشرين الفا ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة هلسنكي. ان الاسم “YIT” هو مختصر من “Yleinen Insinööritoimisto” وتعني “مكتب الهندسة الاساسية”. للشركة تجربة طويلة وخبرة ممتازة في المجال الذي تعمل فيه. خلف ظهرها مائة عام من الانجازات المتتالية، تتوسع الشركة يوما بعد آخر وتصل الى العديد من بلدان العالم سواء من خلال المشاريع التي تنفذها هناك او حتى من خلال استحواذها على جملة من الشركات في بلدان مختلفة لتتحول تلك الشركات الى اذرع محلية نشطة للشركة الام. لقد نشطت في الاتحاد السوفيتي، البلدان الاوروبية والعديد من بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا “العراق، السعودية، الامارات، ليبيا” وبلدان اخرى.

يعود الفضل في نشاط تلك الشركة في العراق الى الصدفة التي جمعت بين احد اصحاب القرار فيها وبين المهندس “محمد المخزومي” اول نقيب للمهندسين العراقيين حينما كان يقضي فترة دراسته في معهد ماساتشوستس للتقنيات، “Massachusetts Institute of Technology”، فترة الاربعينات و الخمسينات. استثمر المخزومي هذه العلاقة بشكل ايجابي وشجّع زميله الفنلندي المسؤول في الشركة من اجل العمل في العراق. وقد اسفرت تلك العلاقة عن انجاز اولى المشاريع العمرانية الفنلندية في العراق الا وهو “مشروع ماء كربلاء” الذي انجز عام 1958 والذي يعتبر باكورة عمل الشركة في الشرق الاوسط. مما يلفت النظر حول ذلك المشروع هو قصة معروفة عن وزير الخارجية الايراني عباس علي خلعتبري حينما قام بزيارة رسمية الى العراق منتصف السبعينات، وقصد مدينة كربلاء لأداء مراسم الزيارة، اثناء زيارته الى المدينة قدم له قدح من الماء، حدّق في القدح وعلّق ساخرا “هذا ماء ام شربت!” نظرا لما كان يحتويه قدح الماء من شوائب، الحكومة العراقية انتفضت لنفسها من ذلك التصريح، فقررت الجهات المعنية بناء مشروع جديد لتصفية المياه في كربلاء، وهذا ما حصل حيث احيل ذلك المشروع لشركة محلية، وبعد مدة من المباشرة بالمشروع ونتيجة لرتابة العمل سقط برج المياه قبل مرحلة الانجاز، تلك الحادثة دفعت المعنيين في وزارة الاسكان والتعمير احياء المشروع القديم الذي نفذته شركة “YIT” الفنلندية عام 1958، وان يتواصلوا مرة اخرى مع الشركة الفنلندية التي قامت بإنجاز المشروع القديم من اجل القيام بتأهيله من جديد، فأهّل المشروع مرة اخرى بناءا على الاوامر العليا. وهكذا بفضل الحساسية التاريخية التي كانت ترافق العلاقات الايرانية العراقية حظيت كربلاء بشيء من الاهتمام من قبل السلطات البعثية الشحيحة جدا بتنفيذ مشاريع البنية التحتية، فمعظم هذا النوع من المشاريع كان يعود بالأساس الى الحقبة الملكية او لمرحلة عبد الكريم قاسم. الان وبعد عقود على تلك الحادثة انتهى المطاف بالوزير الايراني الى الاعدام بعيد الثورة الايرانية وانتهى المطاف ايضا بمشروع ماء كربلاء الى ان يتحول لمشروع للمياه الثقيلة بعد افتتاح مشاريع اخرى، قيل انها نفذت بأياد عراقية ربما تطورت الصناعة العراقية عن قبل وربما المشروع ليس الا واحدا من تلك المشاريع المتلكئة ورديئة التنفيذ التي ان لم تسقط اثناء العمل فلن تدوم طويلا بعد انجازها.

 

جمال الخرسان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى