متحف لينين في تامبيرا شاهد على لقائه الأول بستالين ويضم المخطوطة الأصلية لـ”الدولة والثورة”
احتوى وثيقة الاستقلال عن روسيا والفنلنديون اعتبروه جزءا من تراثهم السياسي
وسط مدينة تامبيرا الفنلندية وفي قاعة العمال التي شهدت اللقاء الاول بين فلاديمير لينين و جوزيف ستالين خلال مؤتمر عقد عام 1906 من اجل التنسيق بين القوى العمالية التي كانت تلملم شتاتها وتتأهب للقيام بالثورة لبلشفية، في تلك القاعة يقع متحف لينين.
اسس المتحف عام 1946 ويضم قاعتين كبيرتين الاولى تجمع مقتنيات لينين وما تبقى من اثاره في فنلندا بما في ذلك العديد من المخطوطات الاصلية لمؤلفاته الشهيرة منها على سبيل المثال مخطوطة اصلية لكتاب “الدولة والثورة” والذي قام بتأليفه في مدينة “فيابوري” القريبة من مدينة تامبيرا. اما القاعة الثانية فترصد علاقة لينين بفنلندا وبالتاريخ السياسي الفنلندي وكذلك المناطق التي تواجد فيها في تلك الفترة. خصوصا وان لينين زار فنلندا 26 مرة في الاعوام 1905، 1906، 1907، 1917 واقام فيها لمدة عامين “1905ـ 1907”.
يضم المتحف العديد من مقتنيات لينين ومخطوطات اصلية للعديد من مؤلفاته، تماثيل لشخصية لينين منحوتة باشكال مختلفة، كما يوجد في المتحف ايضا اثاث من المنزل الذي سكنه لينين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وهناك طاولة لينين الخاصة اضافة الى اشياء اخرى تتعلق بحياة لينين. لكن اهم ما يحتويه المتحف من الناحية السياسية بالنسبة للفنلنديين هو النسخة الاصلية من الوثيقة التي تثبت استقلال فنلندا عن روسيا، والتي وقعت من قبل قيادات الثورة البلشفية انفسهم وعلى راسهم لينين واستالين بتاريخ 31/12/1917.
كان لينين يشارك الشعب الفنلندي في معارضته لحكم القياصرة الروس لذلك مثلت فنلندا وكرا سريا وربما حتى علنيا في بعض الاحيان لتحركات لينين من اجل التهيئة للثورة البلشفية وكذلك ثورة “تشرين الثاني 1917” التي كانت تمثل المرحلة الثانية من الثورة الروسية، وهي بمثابة التتمة لأول ثورة شيوعية في القرن العشرين قادها البلاشفة تحت إمرة فلاديمير لينين وليون تروتسكي بناء على أفكار كارل ماركس، لإقامة دولة شيوعية وإسقاط الجمهورية الديموقراطية وقد رفعت آنذاك شعارها المعروف الخبز والسلام و الأرض للجميع.
وحينما احس الفنلنديون بأن مستقبل روسيا وما يحيط بها سوف يتشكل من دوقيتهم التابعة للامبراطورية الروسية قرروا مفاتحة زعيم الثورة البلشفية لينيين حول استقلال فنلندا فما كان من الرجل الا ان وعدهم بأنه سوف يمنحهم الاستقلال فيما لو انتصرت الثورة وهذا ما حصل فعلا، فما ان نجحت الثورة البلشفية في تشرين الأول عام 1917 وبعد وصول فلاديمير لينين الى السلطة بتاريخ 8/11/1917 وقع هذا الاخير على وثيقة استقلال فنلندا. كرد لجميل الشعب الفنلندي الذي احتضن لينين مرات عديدة اهمها عام 1907 بعدما كان ملاحقا من قبل سلطات الامبراطورية الروسية نتيجة نشاطاته السياسية خصوصا بعد اختياره زعيما لحزب العمال الاشتراكي الاجتماعي عام 1906 وكذلك ايضا حينما عاد الى فنلندا بعد التطورات التي حصلت في روسيا في تموز من عام 1917 وما اعقبها من تشكيل حكومة جديدة برئاسة الكسندر كيرينسكي الذي اصدر أمرا بإلقاء القبض على لينين بتهمة العمالة للألمان وعلى اثرها عاد لينين الى فنلندا وقاد التمرد من هناك.
ليفلاديمير لينيين الذي ترك المحاماة وفضل العمل السياسي الثوري انتصارا للحرية ورغيف الخبز للطبقة العاملة وثأرا لإعدام اخيه شنقا حتى الموت على يد السلطات في روسيا عام 1887 على خلفية محاولة اغتيال القيصر الكسندر الثالث، ان لذلك الرجل علامة بارزة في التاريخ السياسي الفنلندي، تماما مثلما تمثله مكانة فنلندا في سبيل تهيئة الظروف المناسبة لانضاج تحركات الثورة البلشفية مطلع القرن العشرين، رغم ان فنلندا كانت آنذاك ليس الا دوقية تابعة للإمبراطورية الروسية! من هنا جاءت اهمية متحف لينين في بلد مثل فنلندا يشابه الى حد كبير بلدان الحياد الدائم ويحاول دائما ان يكون بعيدا عن السياسة.
الفنلنديون حافظوا على ذلك المتحف وتعاملوا معه ليس تركة ثقافية لينينية بحتة بل هو جزء من التراث الثقافي والسياسي الفنلندي.. خصوصا وانه كان مهدا لفكرة استقلال فنلندا، ولهذا بقي هذا المتحف محتفظا برونقه وهيبته حتى وان اغلقت المتاحف المماثلة للتراث الشيوعي في مختلف بلدان العالم خصوصا غير الشيوعي منها.
تامبيرا- جمال الخرسان