سياسة

مجزيرة (سُوَمين لينّا) ماء وخضراء وسياسةسودة تلقائية

كواجهة دفاعية بوجه التهديدات الروسية شيدت قبالة العاصمة الفنلندية هلسنكي جزيرة (سُوَمين لينّا)عام 1748 من قبل التاج السويدي فترة الاحتلال السويدي لفنلندا الذي بدأ منذ القرن الثاني عشر حتى عام 1809 حيث خضعت الجزيرة بعد ذلك للسيطرة الروسية، وحينما استقلت فنلندا عام 1917 استعاد الفنلنديون السيطرة على الجزيرة لكنها بقيت منطقة عسكرية غير مسموح لعامة الناس الدخول اليها حتى ستينات القرن الماضي. وفي مطلع السبعينات تقرر تحويل الجزيرة التاريخية الى معلم سياحي وبدأ السواح بالتوافد على الجزيرة حتى اصبحت تستقبل يوميا قرابة الاثني عشر الف سائحا في فصل الصيف رغبة في الاستمتاع بجمال طبيعتها ورغبة في الوقوف على ماضيها السياسي الملفت للنظر.  فيما سبق فإن الاحتلالات المتعاقبة للجزيرة لم تعبث كثيرا بما فيها من معالم، ولأنها الان مسجّلة في لائحة التراث العالمي لليونسكو لذلك فإن أيّ تغيير فيها خاضع لضوابط المنظمة الدولية. موقع الجزيرة الاستراتيجي الواقع في مدخل ميناء هلسنكي باتجاه بحر البلطيق يمكّن جميع المسافرين على مختلف السفن القادمة الى العاصمة الفنلندية من الاستمتاع بجمالية الجزيرة.

سميت الجزيرة باسم (سُوَمين لينّا)عام 1918 لأسباب قومية والاسم يعني ( قلعة فنلندا) اما قبل ذلك فكانت تسمى حصن صوفيا و فيابوري. الجزيرة عبارة عن ست جزر موصلة ومدمجة فيما بينها بشبكة من الجسور، وقد بنيت بإسلوب التحصين النجمي على ملامح قلعة كبيرة. كلّ زاوية وملمح من المكان يؤشر لفعل سياسي في فترة ما! من يتجول في الجزيرة يشاهد بوضوح مدافع واسلحة قديمة وعربات يعود جزء منها لفترة الاحتلال الروسي ويعود البعض الاخر لفترة الاحتلال السويدي. في الجهة المطلة على البحر هناك بوابة ملكية بنيت خصيصا للزيارات الخاصة التي يقوم بها الملك السويدي الى الجزيرة. فيها أنفاق سريّة تصل الى حوالي 8 كم لايسمح للزوار الا بزيارة بعضها. وتحتوي على ميناء وورش تصليح كانت تستخدم لاغراض عسكرية بالدرجة الاولى. بني في الجزيرة ساحة جميلة كانت فيما سبق تعتبر بمثابة مركز الجزيرة التجاري. يتوسطها قبر وتمثال نصفي للمعماري السويدي (آوغوستين اهرينسفارد) ابرز مصممي الجزيرة والمشرفين على فريق العمل فيها،  إذ بعد وفاته وتخليدا له أمر الملك السويدي (غوستاف الثالث) ببناء تمثال له، لكن قبيل اكتمال التمثال تعرضت الجزيرة للاحتلال الروسي مما أبقى التمثال حتى هذه اللحظة شاخصا كتمثال نصفي. الحقبة الروسية أضافت هي الاخرى مزيدا من المعالم لجزيرة (سُوَمين لينّا) حيث بني في تلك الفترة كنيسة من اجل ممارسة الجنود طقوسهم الدينية وبعد استقلال فنلندا بنيت فوق الكنيسة كنيسة اخرى وغيرت معالم الاولى لأنها كانت تحتوي على اشارات دينية مستفزة، وهذه من المناسبات النادرة جدا التي يغير فيها الفنلنديون معلما فنيا من الماضي!

إحدى المعالم السياحية للجزيرة هي الغواصة الفنلندية (فسيكّو) وهي آخر قطعة متبقية من اسطول الغواصات الفنلندي حيث حولت الى متحف امام الجمهور منذ 9/7/ 1973. اما بقية الغواصات فقد بيعت فيما سبق كقطع غيار بعدما ألزمت (اتفاقية باريس للسلام) التي عقدت عام 1947 ألزمت فنلندا بعدم استخدام الغواصات لاي غرض كان. الغواصة (فسيكّو) بنيت عام 1933 في حوض السفن في مدينة توركو الفنلندية، ولم تكن في بداية بنائها ضمن الاسطول الفنلندي حيث كانت جزء من مخططات الالمان السرية ثم بعد بنائها بفترة اشترتها فنلندا وضمتها للاسطول. خرجت عن الخدمة في نهايات عام 1944 ومنذ ذلك التاريخ تبوأت مكانتها الخاصة في الجزيرة. في نهايات القرن الثامن عشر وحينما كانت العاصمة الفنلندية آنذاك هي مدينة ( توركو ) فإن الجزيرة كانت تعتبر ثاني اكبر مدينة في فنلندا إذ كانت هلسنكي مدينة صغيرة. تقول الوقائع التاريخية لـ (سُوَمين لينّا): أنّه في فترة بنائها مات حوالي ثلث عدد البناة نتيجة للظروف المناخية القاسية والبرد الشديد. كما ان الجزيرة تعرضت إلى قصف مدفعي كثيف جدا من قبل الاسطول الفرنسي البريطاني اثناء (حرب القرم) عام 1855 حينما كان الجيش الروسي يتمترس هناك. هكذا هي جزيرة (سُوَمين لينّا) تبدو للناظرين بحلة فاتنة وتخفي بين جنبيها تاريخا مريرا من التحولات السياسية الكبرى!

هلسنكي- جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى