منوعات

اضاءة على أقدم شعوب أوروبا.. (اللابيّون) في يومهم الوطني

يصادف السادس من شباط كل عام اليوم الوطني لقومية “السامه” او “اللابيين”، ومن هنا جاءت هذه الوقفة مع شعب السامه الذي يعد احد اقدم شعوب منطقة شمال اوروبا، بل هناك من يعتقد انه اقدم شعوب شمال غرب اوروبا.

ان شعب اللاب او السامه مجموعة بشرية سكنت رقعة جغرافية واحدة تسمّى “لابلاند” في الدائرة القطبية، لكن تلك المساحة الجغرافية موزّعة بين فنلندا، النروج، السويد، واجزاء بسيطة من روسيا. يتراوح عدد نفوسهم من 50 الفا الى حوالي 120 الفا، يعيش اكثر من نصفهم في الجزء الشمالي للنروج. ان المساحة الجغرافية التي ينتشر فيها اللابيون واحدة لكنها موزعة بفعل السياسة.. الدافع السياسي دفع حكومات المنطقة الى التعاطي معهم بداية بشيء من التعسف، وطريقة فيها تجاوز على هويتهم وثقافتهم فمنعوا من الحديث بلغتهم الأم ومن التعليم بها، لكن تلك الحكومات في اسوأ الاحوال لم تتعامل معهم كما تعاملت الحكومات الدكتاتورية في عالمنا الثالث مع الأقليات بل وحتى غير الأقليات. ثم بعد ذلك انفتحت الحكومات الاسكندنافية على الساميين ومنحتهم حقوقهم شيئا فشيئا، حتى أصبحوا يتمتعون بكامل حقوقهم ولهم مدارس خاصة وطقوس وهوية تعبّر عن كيانهم الخاص ولكن تلك الهوية تنسجم بالمجمل العام مع الاطار العام لهوية الدولة التي ينتمون اليها. لقد اختير يوم السادس من شباط في كل عام يوما وطنيا لهم في شبه الجزيرة الاسكندنافية، وقد وقع الاختيار على ذلك اليوم اعتزازا بالمؤتمر التاريخي الذي عقده اللابيون القادمون من بلدان مختلفة في مدينة “تروندهايم” شمال النروج في 6/شباط/1917. وقرروا فيه التعاون العابر للحدود فيما بينهم. في الوقت الحالي يرفع اللابيون علما خاصا بهم، اعتمد ابتداءا من المؤتمر الذي عقد في مدينه “اره” السويدية عام 1986.

اعتاد اللابيون على الالتصاق بالطبيعة ورفقة صديقهم الدائم حيوان الرنة، كأنهم بلا ذلك الحيوان ليسوا لابيين، ورغم وجود حيوان “الايل” بكثرة في محيط اللابيين الا ان حيوان الرنة جزء من هويتهم التاريخية، لقد امتزج هذا الحيوان في تاريخهم القديم، الحفريات تؤكد تعلق هذه القومية بشكل جنوني بهذا الحيوان ومعظم اساطيرهم وبطولاتهم تدور حوله. بل ان تقويم اللابيين الذي يتكون من ثمانية فصول تم وضعه بالأساس بناءا على مواسم هجرة حيوان الرنة، كما يشكل حيوان الرنة عصب الاقتصاد بالنسبة للابيين. ناهيك عن ان اشهر وحدة قياس للمسافات كان يستخدمها قدماء اللابيين هي ما يسمّى بـ”Poronkusema”، وهي المسافة التي يقطعها حيوان الرنة قبل ان يتوقف من اجل التبوّل،  والتي لا تتعدى غالبا 7.5 كيلومترا.

في الموروث اللابيّ هناك الكثير من ترسبات الديانة “الشامانية”، خصوصا في بعدها الخارق والبطولي، وبناءا على الاساطير اللابيّة ان الشاماني بطبلته المعروفة يدخل الخيمات من فوهات المداخن التي تترك مفتوحة فوق الخيمة، يذهب الى السكان يقص عليهم بطولاته ويسلّي الاطفال، ومن هذه الاسطورة اخذت فكرة ان “بابا نؤيل” يدخل البيوت في اعياد الميلاد من المداخن المنزلية.

اللابيون يعيشون في مناخات قاسية وجميلة في نفس الوقت، يفترشون الجليد ويلتحفون السماء، من خيوط الفجر القطبي الذي يظهر جليا في لابلاند بأقواسه الرائعة الجمال وانكساراته الكرستالية التوهّج، يستدعون الامل شتاء كيف لا؟! وهم ينظرون لذلك الاستعراض المناخي الراقص بعين قدسية، واذا ما أذابت درجات الحرارة المعتدلة جدا في فصل الصيف بساط الجليد المتلألئ فإن اللابيّ يعرف ايضا انه على موعد مع كسوة الطبيعة الشديدة الخضرة.  

هلسنكي- جمال الخرسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى