حرب الهراوات او انتفاضة الفلاحين
ما ان تقرأ تجربة اي من شعوب هذا العالم كبيرها وصغيرها وتاريخ تكوينه وارهاصات هويته الوطنية حتى تجد وبشكل ملفت تكرارا مثيرا لانتفاضات وحروب الفلاحين وبمقاسات تكاد تكون متشابهة تماما بين تجربة واخرى خصوصا على صعيد الدوافع والاهداف. ان من سخرية القدر ان تتم معاقبة الطبقة المنتجة الكادحة التي تتكفل بشكل اساسي بتوفير الامن الغذائي ولو بحدوده الدنيا لصالح الحيتان الكبيرة، الاقطاعيون والملاك يستحوذون على كل شيء ويطاردون الفلاح حتى على ما يأخذه من قوت بسيط لا يرتقي ابدا لما يبذله من مشقة تودي به احيانا الى الهلاك. هكذا هي الحال في “تمرد وات تايلر” في بريطانيا في القرن الرابع للميلاد، وقبله ايضا ثورة الفلاحين في فرنسا عام 1358، ثورات الفلاحين الشهيرة في المانيا في القرن السادس عشر، ثورات الفلاحين ايضا في روسيا، الصين، المكسيك، والكثير من البلدان الاخرى وهكذا الحال ايضا في ثورات الفلاحين في العراق ومنها انتفاضة آل ازيرج التي حصلت في ميسان عام 1952.
التاريخ الفنلندي هو الاخر ليس استثناءا من تلك القسمة الضيزى، وكما دفع الاحساس بالظلم والقهر والحرمان الفلاحين في بلدان اخرى في التاريخ القديم والمعاصر الى التمرد والانتقام بغض النظر عن الفارق الشاسع بتكافؤ القوى بينهم وبين الاغنياء، ثار الفلاحون الفنلنديون في تشرين الثاني عام 1596 ضد الاقطاعيين السويديين في اطار ما سمّي حينها بـ”حرب الهراوات” التي حدثت في مقاطعة “بيركالا” جنوب البلاد، والتي تعكس مدى ما وصل اليه حال الفلاح آنذاك بحيث يدفعه الى خوض حرب بالمعاول والادوات الزراعية. تسلح الفلاحون بالهراوات، سيطروا على قرية “نوكيا” آنذاك واتخذوها معقلا لهم، وعلى مدار ثلاثة اشهر من الحرب فاز الفلاحون بعدة اشتباكات ضد فرسان الإقطاعيين، ولكنهم تعرضوا لهزائم بعد ذلك، عدم تكافؤ المعسكرين اوقع خسائر كبير في صفوف الفلاحين ادت الى هزيمتهم، القي القبض على زعيمهم “يالكو إيلكا” شتاء العام 1597 وحكم عليه بالإعدام، خسائر الحرب تقدر بحوالي ثلاثة الاف قتيل معظمهم من الفلاحين. تلك الحرب تمثل نقطة مفصلية في تاريخ الصراع بين الفلاحين الفنلنديين والاقطاعيين السويديين، وبنهايتها اسدل الستار على مرحلة مثيرة للجدل من تاريخ الشعب الفنلندي.
جمال الخرسان