ثقافة وفن

“لوحة الهجوم” احتجاج فني ضد الترويس .. وفن بنكهة السياسة

 

 

عرف اخر القياصرة الروس نيكولاي الثاني الذي حكم في الفترة (1894-1917) عرف بقسوته تجاه المستعمرات او الدوقيات التابعة لروسيا القيصرية، وفيما يتعلق بفنلندا فقد وجّه بممارسة سياسة الترويس التي تهدف لطمس الثقافة واللغة الفنلندية وصهرها بالهوية الروسية، ذلك فرض لارادة القوي على الضعيف. سياسية الترويس في فنلندا بدأت منذ العام 1899 وجمدت في الاعوام 1906- 197 لكنها عادت مرة اخرى منذ العام 1908 وحتى استقلال فنلندا في عام 1917. ولقسوة تلك السنوات ومرارتها في التاريخ الفنلندي كانت تسمى تلك الفترة الزمنية بـ “سنوات القمع”.

الترويس بدأ بأمر من القيصر ينص على إلغاء الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به فنلندا، والتضييق على الممارسات الفنلندية العامة ذات الطابع الوطني، كذلك دمج الجيش الفنلندي بالجيش الروسي، وانتهى بمنع التداول الرسمي باللغة الفنلندية. ذلك الخطر الذي يهدد وجود الهوية الفنلندية التي اخذت تتشكل حديثا وتجد لنفسها مكانة خاصة بها بعيدا عن هويات الجارات الكبرى التي تريد ابتلاعها، ذلك الخطر ولد حالة من الرفض الشامل والذي تجلى في ممارسات مختلفة على الارض، ولان “إدفارد إيستو” كان رساما وتغلي بداخله روحه الشابة المفعمة بالحيوية والنشاط فإن ريشته كانت هي الاداة الاكثر تعبيرا من وجهة نظره عن رفض ذلك الواقع الجائر. فرسم عام 1899 لوحة تسمى “Hyökkäys” او الهجوم. موضوع اللوحة يجسد فتاة ترتدي ثيابا بلون العلم الفنلندي وترمز الى فنلندا، يهاجمها في يوم عاصف واجواء مخيفة صقر برأسين رأس يريد الانقضاض عليها ورأس يريد الانقضاض على الكتاب الذي تمسكه بيديها، الفتاة التي تقف قرب الشاطيء تتصدى لذلك الكائن المهاجم بذلك الكتاب الذي هو بمثابة الدستور. اللوحة المذكورة لاقت استحسانا كبيرا من عامة الناس وانتشرت بشكل ملفت للانظار باعتبارها رمزا وطنيا يلامس الهم الاكبر للشعب الفنلندي الذي يناضل بشتى السبل من اجل الحفاظ على هويته الفتيّة، مما جعل السلطات الروسية تقرر ابعاد كل من توجد في حوزته نسخة من تلك اللوحة الى منطقة سيبيريا الشهيرة المعروفة ببردها وصقيعها طيلة ايام السنة. بعد استقلال فنلندا عام 1917 اهدى ايستو لوحته الشهيرة الى المتحف الوطني الفنلندي، لتبقى هناك حتى هذا اليوم محتفظة بهيبتها الفنية والسياسية ولها حظوة كبيرة واهتمام خاص في ذاكرة الشعب الفنلندي.

هلسنكي- جمال الخرسان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى