سياسة

حرب الشمال العظمى صراع من اجل النفوذ

 

في تاريخ شمال اوروبا تمثل السيطرة على اكبر مساحة ممكنة من بحر البلطيق هدفا استراتيجيا تمحورت حوله معظم الحروب التي حصلت عبر تاريخ هذه المنطقة. عصر الفايكينغ وذروة سطوتهم التي كانت بين القرن التاسع وحتى القرن الحادي عشر سمحت لهم ببسط نفوذهم على مساحة كبيرة من البلطيق. حينما صعد نجم المملكة الدانماركية بعد ذلك في القرن الرابع عشر حاولت التمدد ونجحت في بعض الفترات، إذ خاضت نزاعا عسكريا على بعض جزر البلطيق القريبة من الملكة السويدية ومنها جزيرة غوتلاند، لكن طموح الاخيرة بالنفوذ وبروز رابطة الهانزا الاقتصادية الالمانية المؤثرة جدا كان يقف حائلا دون اكتمال الاحلام الدنماركية مما دفع الدانمارك لبسط نفوذها على البلطيق من خلال خيارات اخرى، ومن هنا اقترحت ملكة الدانمارك مارغاريتا الاولى ” Margareeta I” تشكيل مملكة اسكندنافية كبيرة تضم الدانمارك، السويد والنروج بالإضافة الى فنلندا التي كانت جزءا من السويد آنذاك وهكذا تأسس اتحاد كالمار عام 1397 ليستمر حتى العام 1523. حرب الشمال العظمى جزء من ذلك التاريخ والصراع السياسي والاقتصادي على بحر البلطيق ومنطقة شمال اوروبا. حيث تشكّل تحالف عسكري يضم معظم بلدان تلك المنطقة كالإمبراطورية الروسية، الدنمارك، النروج، الكومنولث البولندي اللتواني وساكسونيا “جزء من المانيا الحالية” تشكّل ذلك الحلف من اجل ايقاف تمدد واتساع الامبراطورية السويدية التي تمددت اكثر مما ينبغي وتسعى لمزيد من التمدد. شرارة الحرب انطلقت في شتاء العام 1700 واستمر ذلك السجال قرابة العقدين من الزمن، تغيرت خلاله خارطة التحالفات العسكرية بشكل طفيف بين فترة واخرى، لكن الكفة مالت اخيرا للتحالف خصوصا مع صعود نجم روسيا بقيادة قائدها وبانيها القيصر بطرس الاول او بطرس العظيم، فيما كان يقود الامبراطورية السويدية الملك كارل الثاني عشر وهو ملك يوصف بانه طائش، وكان يقود الحرب بعض الفترات من معقل الامبراطورية العثمانية في تركيا حيث لجأ الى هناك، ثم لاحقا عاد الى مملكته وقتل في احدى الحروب، بعد مقتله ببضع سنين توصلت الاطراف المتحاربة الى حل سملي، حيث وقعت الاطراف المتحاربة على معاهدة “السلام” او “معاهدة نيستاد” عام 1721 التي عقدت في مدينة “اووسي كاوبونكي” الواقعة جنوب غرب فنلندا. الملفت انه يعود الفضل في تأسيس سانت بطرسبورغ المدينة الروسية المذهلة الى تلك الحرب حيث امر القيصر بطرس الاول عام 1703 ببناء قلعة القديسين “بطرس وبولس” على “نهر نيفا الكبير” لأغراض عسكرية بحتة تتعلق بحرب الشمال العظمى لتكون تلك القلعة النواة الاولى لتأسيس المدينة.

ومع تبدل الادوار وتغير مراكز القوى في تلك المنطقة عادت في الفترة الاخيرة مخاوف الحروب من جديد، بعد عودة روسيا بقوة للحلبة الدولية وكذلك رغبة الناتو بلعب دور مهم في منطقة شمال اوروبا. صراع النفوذ يطل براسه من جديد وكلما تصاعدت حمّى المناورات المتبادلة في البليطق عادت الى الذاكرة حرب الشمال العظمى وارهاصات الحرب العالمية الثانية.

جمال الخرسان

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى