كتاب “بغداد” تجربة فنلندي عمل في جزيرة بغداد السياحية وملاجيء العاصمة
استعراضا لتجربته الشخصية في العراق حينما ذهب الى هناك من اجل العمل في مشروع جزيرة بغداد السياحية مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وتوقفا مع تجربة مئات الفنلنديين الذين تركوا بلدا قطبيا يغزوه الثلج في معظم فصول العام وعملوا في بيئة ليس غريبا فيها ان تصل درجة الحرارة الى اكثر من 50 درجة مئوية! انجز الكاتب الفنلندي “veijo leino” عام 2010 كتابا تحت عنوان “Bagdad” في 242 صفحة. وكان العنوان الثانوي للكتاب “Suomi-pojan klomdyke” اي الولد الفنلندي الباحث في مناجم الذهب، ومفردة كلونديكه تشير الى موسم حمى الذهب في القرن التاسع عشر حينما كان الكثير من الاوروبيين بما في ذلك الفنلنديين يشدون الرحال الى شمال القارة الامريكية بهدف التنقيب في مناجم الذهب، ومن يذهب الى هناك يوسم بالبطل والمغامر، الذهب الى بغداد من وجهة نظر الكاتب لا يخلو من مغامرة.
فيو لينو وبعد ان يشاهد اعلانا عن فرص عمل مع بعض الشركات الفنلندية بالعراق برواتب مغرية يقرر التقديم فيتم قبوله، البحث عن فرص نجاح اكبر كان يتزامن وفقا لما يذكر الكاتب مع سيل من الاسئلة المقلقة حول الانتقال من بلد شمالي الى مدينة “الف ليلة وليلة”، مدينة السندباد البحري وقصص الشرق المثيرة، فوق جميع ذلك مدينة يحكمها دكتاتور مثل صدام وتخوض حربا ضروسيا ضد ايران. ناهيك عن التفاوت الكبير بين بيئة وثقافة المجتمع الفنلندي وبين الثقافة والتقاليد الاجتماعية في العراق.
يذهب الكاتب الى العمل بالعراق مع شركة “YIT” التي اوكل لها برفقة شركات فنلندية اخرى انجاز جزيرة بغداد السياحية في تحالف سمي حينها Finnconsult Consulting Engineers”” ضم ايضا اضافة للشركة المذكور كلا من “PEKKA-VESI”. عمل في المشروع الكبير حوالي 700 شخصا حوالي نصفهم قدموا من فنلندا. اعداد الفنلنديين في هذا المشروع وغيره من المشاريع الكبرى التي نفذتها شركات فنلندية كانت كثيرة جدا ولذلك اقيم لهم مخيم او قرية خاصة بهم.
يحاول الكاتب توصيف حياة الفنلنديين هناك في القرية الفنلندية وخارجها، تفاصيل الحياة اليومية للعائلات، المدارس والقهوة والساونا. الضوابط التي تفرضها الشركات على كوادرها هناك. تجربة عمل الفنلنديين في صيف حار تصل درجة الحرارة فيه الى اكثر من 50 درجة وهم ابناء بلد يقع جزء مهم منه ضمن الدائرة القطبية ولا يفارقه الثلج والصقيع الا في صيف قصير.
يتطرق الكاتب الى رحلات العاملين الفنلنديين في العراق وهو واحد منهم الى بعض الرحلات الترفيهية القصيرة في عطلة الاسبوع، يذهبون الى بحيرة الحبانية وفي تلك الرحلات يتوقف الكاتب مع العديد من المشاهدات الملفتة بالنسبة له. خصوصا حينما كانت تنزل النساء للبحيرة بكامل ملابسهن! كان ملفتا جدا آنذاك.
يستوقف يوميات الحياة في بغداد، يوميات المدينة الساخنة بسبب المناخ والمشتعلة بسبب الحرب، مدينة تظللها اشجار النخيل الباسقة واشجار اخرى تمثل ملاذا آمنا للمارة على الارصفة تقيهم من اشعة الشمس الحارقة. يتوقف مع الاسواق، الكلاب البرية التي تنتشر بكثرة في العراق، وتفاصيل كثيرة اخرى.
ومع الجزء الاكبر من الكتاب يخصص لخطوات العمل في جزيرة بغداد السياحية، سيما وان الشركة التي يعمل فيها الكاتب اوكلت له ادارة احد اقسام العمل. الا ان فيو لينو ايضا يتوقف مع مشاريع بناء الملاجيء الخاصة جدا في مختلف انحاء بغداد، الكاتب ايضا عمل في بناء احد تلك الملاجيء حيث اوكل الى الفنلنديين بناء مجموعة منها والى السويديين مجموعة اخرى.
وبالتزامن مع بناء جزيرة بغداد السياحية كان العمل ايضا قائما في مبنى قصر المؤتمرات وهناك كوادر لها علاقة بالموقعين. يخصص الكاتب وقفة خاصة لقصر المؤتمرات ايضا في كتابه رغم ان عمله الاساسي كان في جزيرة بغداد السياحية.
ومن اظرف ما جاء في الكتاب هي الجولة الخاصة التي قام بها برفقة عائلته على اهم ملامح بغداد ومواقع العمل التي عمل فيها وذلك حينما قامت زوجته برفقة الاطفال بزيارته الى العراق.
كتاب بغداد يستعرض تجربة الفنلنديين، الشركات الفنلندية، مدينة بغداد بملامحها الثقافية والاجتماعية والعمرانية باسلوب ادبي شيق، انها اشبه برواية لتجربة واقعية عاشها الكاتب بنفسه في العراق.
جمال الخرسان